أنت رسول العرب والعجم، كقوله: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ: 28]، (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف: 158]. (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) على ذلك، فما ينبغي لأحدٍ أن يخرج عن طاعتك واتباعك.
[(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)].
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ)؛ لأنه لا يأمر إلا بما أمر اللَّه به، ولا ينهى إلا عما نهى اللَّه عنه فكانت طاعته في امتثال ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه طاعة اللَّه.
وروي أنه قال: «من أحبنى فقد أحبّ اللَّه، ومن أطاعنى فقد أطاع اللَّه» فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل، لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: (رَسُولاً): حالٌ قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل، والتعميم إن علق بها: رسولاً للناس. وإنما اختار المصنف هذا الوجه ليطابق المقام؛ لأن الكلام مع اليهود كما سبق؛ ولهذا استشهد بالآيتين الدالتين على العموم، على أن يكون (كَافَّةً) صفة مصدرٍ محذوف، أي: إلا رسالةً كافةً عامةً محيطةً بهم، وعلى أن يكون حالاً من الكاف، أي: جامعاً للناس في الإنذار على: وما أرسلناك إلا كافًّا للناس عن الكفر والمعاصي.
قوله: ((فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله) إلى آخره. هذا التعليل يفيده لفظ (الرَّسُولَ)؛ لأنه من وضع المظهر موضع الضمير للإشعار بعلية إيجاب الطاعة له، يدل عليه السياق وهو قوله: (وأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)، والسياق وهو قوله: (ومَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، وكان من الظاهر: ومن تولى فقد عصى الله؛ بقوله: (فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، فوضع موضعه (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) ليدل على المبالغة؛ لأن هذا الكلام إنما يخاطب به من ظن أنه حفيظٌ عليهم وعلى أن يردهم من العصيان إلى الطاعة، وهذا يبنى على أن القوم قد أوغلوا في العصيان.