وهو قول نحوي سيبوي. ويجوز أن يتصل بقوله: (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، أي: ولا تنقصون شيئاً مما كتب من آجالكم، أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أي: ولا تنقصون شيئاً مما كتب من آجالكم، أينما تكونوا في ملاحم حروبٍ أو غيرها)، فعلى هذا: ((أين)): ظرف (لا يُظْلَمُونَ)، و (يُدْرِككُّمُ): استئناف، وعلى الأول: (أَيْنَمَا): شرط، وجزاؤه (يُدْرِككُّمُ)، والجملة استئنافية.

الانتصاف: هذا حجةٌ واضحةٌ عليه في أن القتل في المعركة لا يعارض الأجل المقدر.

وقلت: قد مضى في آل عمران عند قوله تعالى: (فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [آل عمران: 168] بيان مذهبه، وهو أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود، وعلى هذا التفسير قوله: (يُدْرِككُّمُ المَوْتُ) تقريرٌ لمعنى قوله: (ولا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء: 77]، على طريقة الطرد والعكس؛ لأن منطوق الأول على هذا التفسير: أن آجالكم مقدرةٌ لا تنقص وإن أقحمتم أنفسكم في الأخطار، ومفهومه: أنها لا تزيد وإن أحصنتموها في بروجٍ مشيدة الأقطار، وبالعكس في قوله: (يُدْرِككُّمُ المَوْتُ ولَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)، فمعنى قوله: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) [النساء: 77] على هذا أن التمتع في الدنيا إنما يكون في أزمنةٍ قلائل، وقوله: (ولا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) تتميمٌ له. علم من الأول أن الحياة في وشك الزوال، ومن الثاني أنها مع ذلك مقدرة الآجال، والجملتان جوابٌ عن قولهم: (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ). وقريبٌ منه قوله تعالى: (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ القَتْلِ وإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَلِيلاً) [الأحزاب: 16]، وعلى أن يتم الكلام عند قوله: (ولا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) قوله: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) جاء على عمومه، والمراد من قوله: (ولا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، لا ينقص من سعيكم في نصرة الدين وسائر أعمالكم، ويكون قوله: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)) ردعاً لهم على جبنهم وخوفهم من الناس لمحبة الدنيا، والركون إلى حطامها، وإيثارها على الجهاد الذي هو الحياة الأخروية، وهو كالتمهيد للجواب، يعني: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ)، وهو استئنافٌ لبيان أن جبنهم وخوفهم من الناس لا ينفعهم البتة؛ لأن الآجال مقدرة، لا ينفع الحذر إذا جاء القدر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015