(كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) اعتراض بين الفعل الذي هو (لَيَقُولَنَّ) وبين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البلاغة؛ لأنه يؤدي إلى أن العود إلى لفظها ليس بمفصح عن معناها، بل تناوله للمعنى المبهم، فوقوعه بعد البيان عسر، ومنهم من عد موضعين وهذه القراءة ثالثة.

قوله: ((كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) اعتراض)، قيل: هذا الاعتراض في غاية الجزالة؛ إذ يفيد أنهم يحسدونكم مما يصل إليكم من الخير، كأن لم يكن بينكم وبينهم مودة، وقلت: التحقيق فيه: أن قولهم: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) طلبٌ لما لا يمكن حصوله، وهذا القول منهم يشبه قول من فاته مصاحبة من كان يرافقه ويصل إليه منه المبرات فأيس من ذلك، فكان قوله: (كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي: مصاحبةٌ، مؤكداً لهذا المعنى، وإلى هذا المعنى ينظر قوله: ((لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر))، لكن إنما يحسن استعماله فيما إذا استعمل في مودةٍ صافية ومحبةٍ صادقة؛ إما تلهفاً وتحسراً على فوات المحبوب ومصافاته، قال:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر

أو تعبيراً لمن نسي ذلك وانقلب إلى البغضاء والعداوة بعد تلك المصافاة. ولما لم يكن حال المنافقين من هذين الوصفين في شيءٍ قال: ((فكيف يوصفون بالمودة إلا على وجه العكس؟ ))، أي: الاستعارة التهكمية، قال الإمام: إنه تعالى حكى عن هذا المنافق سروره وقت نكبة المسلمين، ثم أراد أن يحكي حزنه عند دولتهم بسبب أنه فاتته الغنيمة؛ فقبل أن يتم قوله: (ولَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ ... ) إلى قوله: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) ألقى في البين قوله: (كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ)، والمراد التعجب، كأنه تعالى يقول: انظروا إلى ما يقول هذا المنافق، كأنه ليس بينكم أيها المؤمنون وبينه مودةٌ ولا مخالطةٌ أصلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015