فقال: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب حاطبٌ وقال: لأن كان ابن عمتك، فتغير وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك». كان قد أشار على الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه، فلما أحفظ
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، استوعب للزبير حقه في صريح الحكم، ثم خرجا فمرا على المقداد فقال: لمن كان القضاء؟ فقال الأنصاري: قضى لابن عمته ولوى شدقه، ففطن يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل اللَّه هؤلاء يشهدون أنه رسول اللَّه ثم يتهمونه في قضاء يقضى بينهم! وأيم اللَّه لقد أذنبنا ذنباً مرّةً في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه، وقال: اقتلوا أنفسكم، ففعلنا، فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: أما واللَّه إنّ اللَّه ليعلم مني الصدق، لو أمرني محمد أن أقتل نفسي لقتلتها. وروي أنه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر، فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأن كان ابن عمتك) أي: لأجل أن الزبير ابن عمتك حكمت له بأن يسقي أرضه قبلي، و ((أن)) مخففةٌ من الثقيلة، أم الزبير وهي: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم.
قوله: (ثم خرجا فمرا على المقداد ... ، فقال: قاتل الله هؤلاء) إلى آخره. هكذا في أكثر النسخ، وفي نسخةٍ معتمدة: ((ثم خرجا فمرا على المقداد فقال: لمن كان القضاء؟ فقال الأنصاري: قضى لابن عمته ولوى شدقه، ففطن يهوديٌّ كان مع المقداد، فقال: قاتل الله هؤلاء)) إلى آخره. هذا هو الصحيح، وعليه التعويل، وكذا في ((معالم التنزيل))؛ لأن الرواية الأولى توهم أن المقداد كان يهوديًّا أسلم، وليس كذلك، فإن صاحبي ((الاستيعاب)) و ((الجامع)) ذكرا أنه كان كنديًّا، وقيل: قضاعيًّا، وقيل: حضرميًّا، وقيل: زهريًّا، والصحيح أنه بهراوي.