وأنّ اللَّه يعلم ما في قلوبكم، لا يخفى عليه فلا يغني عنكم إبطانه، فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم، وداووها من مرض النفاق وإلا أنزل اللَّه بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه، وشراً من ذلك وأغلظ؛ أو قل لهم في أنفسهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم، مسارًّا لهم بالنصيحة؛ لأنها في السر أنجع، وفي الإمحاض أدخل (قولاً بليغاً): يبلغ منهم ويؤثر فيهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وأن الله يعلم ما في قلوبكم) عطفٌ تفسيريٌّ على قوله: ((بليغاً))، فالبليغ: من البلاغة، ولهذا أتى بالكلام الشافي والبيان الوافي، قال الزجاج: يقال: قولٌ بليغ، وقد بلغ القول، وبلغ الرجل يبلغ بلاغةً، وهو بليغٌ: إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه.

الراغب: القول البليغ: إذا اعتبر بنفسه، فهو ما يجمع أوصافاً ثلاثةً: أن يكون صواباً، وطبقاً للمعنى المقصود به لا زائداً ولا ناقصاً عنه، وصدقاً في نفسه، وإذا اعتبر بالمقول له والقائل فهو الذي يقصد به قائله الحق ويجد من المقول له قبولاً، ويكون وروده في الموضع الذي يجب أن يورد فيه. وعلى الأول، أي: إذا تعلق: (فِي أَنفُسِهِمْ) بقوله: (بَلِيغًا)، البليغ: من البلوغ والوصول؛ ولهذا قال: مؤثراً في قلوبهم، فجعل (أَنفُسِهِمْ) ظرفاً ليتمكن القول في قلوبهم تمكن المظروف في الظرف.

قوله: (أو قل لهم في أنفسهم خالياً بهم) عطفٌ على قوله: ((قل لهم في معنى أنفسهم)) هذا الوجه مشتركٌ مع الوجه الثاني من حيث إن (فِي أَنفُسِهِمْ) متعلقٌ ب ((قل))، ومع الوجه الأول في التأثير، والفرق بين التأثيرين اختلاف الجهة، وهو أن المؤثر هناك إيقاع (أَنفُسِهِمْ) ظرفاً للقول، وها هنا النصيحة في السر.

قوله: (ويؤثر فيهم) عطفٌ تفسيريٌّ على قوله: ((يبلغ منهم)) يعني: يتمكن منهم من جهة الإبلاغ. النهاية: في حديث عائشة، قالت لعليٍّ رضي الله عنهما يوم الجمل: قد بلغت منا البلغين، بكسر الباء والغين المعجمة مع فتح اللام على الجمع، ومعناه قد بلغت منا كل المبلغ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015