وقد جنح اللَّه الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك، وهو أن أمرهم أولاً بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم، وأمرهم آخراً بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل. وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة، ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئاً إلى كتابٍ ولا إلى سنة، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند اللَّه ورسوله، وأحق أسمائهم اللصوص المتغلبة. (ذلِكَ): إشارة إلى الرد، أي: الرد إلى الكتاب والسنة (خَيْرٌ) لكم وأصلح، (وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا): وأحسن عاقبة. وقيل: أحسن تأويلاً من تأويلكم أنتم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (جنح الله الأمر بطاعة أولي الأمر). الأساس: ومن المجاز: هو مقصوص الجناح: للعاجز، وهو في جناح طائر: إذا وصف بالقلق والدهش، وركب جناحي نعامةٍ: إذا جد في الأمر وعجل. جعل الأمر بطاعة أولي الأمر بمنزلة الطائر الذي يحتاج في نهوضه للطيران إلى جناحين، وجعل أحد جناحيه أداء الأمانة والعدل، والآخر التمسك بالكتاب والسنة؛ فهو من الاستعارة المكنية المستلزمة للتخييلية، ووجه التشبيه هو افتقار ما به يقدر على سرعة المشي المطلوب، فكما أن الطائر يفتقر في طيرانه إلى الجناحين؛ فكذا الأمير في تنفيذ أمره يفتقر إلى هاتين الخصلتين؛ ولذا قيل: الدين والملك توأمان، وفيه إدماجٌ، لافتقار المتصدي لأمر الخلافة إلى هاتين الخصلتين.
قوله: (بما لا يبقى معه شكٌّ) أي: في أنه لا يلزم طاعة أمراء الجور.
قوله: (وأحسن عاقبةً). الأساس: ومن المجاز: طبخت الدواء حتى آل المنوان منه إلى منٍّ واحد، وتقول: لا تعول على الحسب تعويلاً فتقوى الله أحسن تأويلاً، أي: عاقبةً.
قوله: (من تأويلكم أنتم) أي: رد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة ليعلم الحكم بهما: أحسن من جهة الحكم من الرد إلى تأويلكم ليعلم الحكم من تأويلكم، وفيه أن الكتاب