و (يخوّف أولياءه) جملةٌ مستأنَفة بيانٌ لشَيْطنتِه. أو (الشَيْطَانُ) صفةٌ لاسم الإشارة، و (يخوّفُ) الخبرُ. والمراد بالشيطانِ نُعيم، أو أبو سفيان. ويجوزُ أنْ يكونَ على تقدير حَذْف المُضاف، بمعنى: إنما ذلكم قول الشيطان، أي: قولُ إبليسَ لَعَنَه اللَّه (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) يخوّفكم أولياءَه الذين هم أبو سفيان وأصحابُه. وتدلُّ عليه قراءةُ ابنِ عباسٍ وابنِ مسعود: يخوفكم أولياءه. وقوله: (فلا تخافوهم). وقيل: (يخوّف أوليَاءَهُ): القاعدين عن الخروج مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فإن قلت: فإلامَ رَجَعَ الضَّميرُ في (فَلا تَخافُوهُمْ) على هذا التفسير؟ قلت: إلى (النَّاسَ) في قوله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران: 173]، (فَلَا تَخَافُوهُمْ) فتقعُدوا عن القِتالِ وتَّجبْنُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم عاد إلى ما بدأ منه من قوله: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [آل عمران: 179] توكيداً وتقريراً، ولما أراد أن يذكر اليهود جعل قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران: 180] تخلصاً إليه، ثم قال: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) [آل عمران: 181]، والله أعلم.
قوله: (القاعدين عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن: متعلق بالقاعدين، ومع: يتعلق بالخروج، فعلى هذا مفعوله الثاني محذوف، أي: يخوف أولياءه القاعدين (النَّاسُ)، وهم أبو سفيان وأصحابه، والضمير في (فَلا تَخَافُوهُمْ) راجع إلى (النَّاسُ) المذكور.
قوله: (فإلام رجع الضمير؟ ) جاء في السؤال بالفاء للإنكار، يعني: أن الضمير في (فَلا تَخَافُوهُمْ) على الأول كان راجعاً إلى أولياء الشيطان، وهم أبو سفيان وأصحابه، وحين فسرت الأولياء بالمخلفين لا يصح ذلك؛ لأن الشيطان ما خوفهم أنفسهم فإلام يرجع الضمير؟
قوله: ((فَلا تَخَافُوهُمْ) فتقعدوا) فتقعدوا: قيل: ليس منصوباً بـ "أن"، ليكون جواباً للنهي، بل هو مجزوم بـ "لا" معطوف على (تَخَافُوهُمْ) بدليل قوله بعد ذلك: " (وَخَافُونِ)