ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه شائبة من الاعتزال ومنع القدر، والذي يقتضيه النظم أن قولهم: (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا)، متصل بقوله: (وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وقولهم: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ)، وذلك أنهم حين جبنوا وقعدوا ما اكتفوا بذلك، بل ثبطوا المؤمنين بأن قالوا: إن ما أنتم متوجهون فيه ليس بقتال بل إلقاء للنفس إلى التهلكة، وإنا لو (نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ)، وحين سمعوا بالمقتولين يوم أحد قالوا: (لَوْ أَطَاعُونَا) في أن ذلك كان إلقاء للنفس إلى التهلكة، (مَا قُتِلُوا)، فقيل لهم: (فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أن القتال إلقاء للنفس إلى التهلكة، وأن القعود سبب النجاة، يعني أن الموت والقتل سيان في أنكم لا تقدرون على دفع كل واحد منهما، وأن القعود لم يكن دفعاً للقتل كما قال تعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ).
قال الإمام: هذا الذي ذكره الله تعالى لا يتمشى إلا بالاعتراف بالقضاء والقدر، فإن القتل والموت سيان حينئذ، وأما إذا قلنا: إن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه، كان الفرق بين القتل والموت ظاهراً، وهذا يفضي إلى فساد الدليل، فثبت أن هذه الآية دالة على أن الكل بقضاء الله وقدره.
وتقريره: أن قوله: (فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ) رد لقولهم: (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا)، فلو لم يجعل القتل كالموت لم يصح الرد، أي: لا فرق بين القتل والموت في أنكم غير قادرين على دفعه لكونهما من قضاء الله وقدره.
الراغب: القتل: إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موت، قال تعالى: (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).