فلما فشلوا وتنازعوا لم يرعبهم. وقيل: لما رجعوا إلى المدينة قال ناس من المؤمنين: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا اللَّه النصر؟ فنزلت. وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم، والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم. يحسونهم أي يقتلونهم قتلا ذريعاً، حتى إذا فشلوا؛ والفشل: الجبن وضعف الرأي؛ وتنازعوا، فقال بعضهم: قد انهزم المشركون فما موقفنا هاهنا؟ وقال بعضهم: لا نخالف أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فممن ثبت مكانه عبد اللَّه بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)، ونفر أعقابهم ينهبون، وهم الذين أرادوا الدنيا، فكرّ المشركون على الرماة، وقتلوا عبد اللَّه بن جبير رضي اللَّه عنه، وأقبلوا على المسلمين، وحالت الريح دبورا وكانت صبا، حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا، وهو قوله (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ): ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) لما علم من ندمكم على ما فرط منكم من عصيان أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يتفضل عليهم بالعفو، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى تطبيق الآية على الوجهين.
قوله: (يحسونهم، أي: يقتلونهم)، قال الزجاج: تستأصلونهم قتلاً، يقال: حسهم القاتل يحسهم حساً: إذا قتلهم.
قوله: (فممن ثبت) تفصيل لمجمع محذوف، أي: فثبت بعضهم ونفر بعضهم، فممن ثبت مكانه: عبد الله بن جبير، وممن نفر: أعقابهم.
قوله: (عبد الله بن جبير)، وفي بعض الحواشي: بجير، وسبق أن الصحيح جبير.