فلما كانوا ببعض الطريق قالوا: ما صنعنا شيئا، قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى اللَّه الرعب في قلوبهم فأمسكوا. (بِما أَشْرَكُوا) بسبب إشراكهم، أي: كان السبب في إلقاء اللَّه الرّعب في قلوبهم إشراكهم به (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً): آلهة لم ينزل اللَّه بإشراكها حجة. فإن قلت: كأن هناك حجة. حتى ينزلها اللَّه فيصح لهم الإشراك؟ قلت: لم يعن أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل عليهم؛ لأن الشرك لا يستقيم أن يقوم عليه حجة، وإنما المراد نفى الحجة ونزولها جميعا، كقوله:
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: الأول، ولذلك قال: "ويجوز"؛ لأن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) من تتمة المعاتبات من لدن قوله: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) [آل عمران: 123] وقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران: 128]، وقوله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران: 144]، وهلم جراً إلى ما نحن بصدده تسلية لقلوب المؤمنين، فأوجب ذلك أن يجري قوله: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا) وعداً عاماً لهم، مزيداً للتسلي، فيدخل فيه هذا الرعب الخاص دخولاً أولياً. ويدل على عمومه تعليله بقوله: (بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ) وبقوله: (وَمَاوَاهُمْ النَّارُ)، يعني: أنهم محقوقون بأن يخذلوا ويخيبوا؛ لأنهم أعداء الله، وأن الله تعالى قدر أن تكون عاقبتهم وخيمة، و (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد: 11]، ألا ترى كيف عقب الوعد قوله: (بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]، وعقب قوله: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ) [آل عمران: 152] هذا الوعد ليؤذن بأن الذي جرى عليكم يوم أحد من الوهن والإصابة أمر على خلاف ما أنتم تستأهلونه؟ وذلك لمخالفتكم الأمر، وإلا كان أصل أمركم على النصر والظفر؛ لأن الله مولاكم وناصركم.
قوله: (ولا ترى الضب بها ينجحر)، أوله:
لا تفزع الأرنب أهوالها