فالفتح على القياس، والضم والكسر من تغييرات النسب. وقرئ: (فَما وَهَنُوا) بكسر الهاء. والمعنى: فما وهنوا عند قتل النبي (وَما ضَعُفُوا) عن الجهاد بعده، (وَمَا اسْتَكانُوا) للعدوّ. وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم، حتى أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد اللَّه بن أبيّ في طلب الأمان من أبى سفيان. وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم، مع كونهم ربانيين؛ هضما لها واستقصاراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما كان قولهم إلا هذا القول، وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين) إشارة إلى أن هذا المعنى كالتتميم، والمبالغة في صلابتهم في الدين وعدم تطرق الوهن والضعف فيهم، وذلك من إفادة الحصر وإيقاع "أن" مع ذلك الفعل اسماً لـ "كان"، قال في قوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [النور: 51]: "وعن الحسن: (قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) بالرفع والنصب أقوى؛ لأن أولى الاسمين بكونه اسماً لـ "كان" أوغلهما في التعريف، وأن يقولوا: أوغل في التعريف؛ لأنه لا سبيل عليه في التنكير، بخلاف قول المؤمنين، فكان هذا من قبيل "كان" في قوله: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم: 35] ".
وقال صاحب "المطلع": معنى قوله: "بخلاف قول المؤمنين"، أن قول المؤمنين إن اختزل عنه الإضافة يبقى منكراً، بخلاف (أَن قَالُوا).
وقال أبو البقاء: اسم "كان" ما بعد "إلا"، وهو أقوى من أن يجعل خبراً، والأول اسماً، لوجهين: أحدهما: أن (أَن قَالُوا) يشبه المضمر في أنه لا يوصف وهو أعرف، وكذا عن ابن جني.