(أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ): أي: أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به. وقيل: الفاحشة: الزنا، وظلم النفس: ما دونه؛ من القبلة واللمسة ونحوهما. وقيل: الفاحشة: الكبيرة. وظلم النفس: الصغيرة (ذَكَرُوا اللَّهَ): تذكروا عقابه، أو وعيده، أو نهيه، أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ): فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وإنّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وجلاله الموجب للخشية والحياء منه)، وأحسن منه قول السجاوندي رحمه الله: (ذَكَرُوا اللَّهَ): ذكروا جماله فاستحيوا، أو جلاله فهابوا، وأنشدوا:
أشتاقه فإذا بدا ... أطرقت من إجلاله
لا خيفة بل هيبة ... وصيانة لجماله
قوله: ((وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ) وصف لذاته بسعة الرحمة)، اعلم أن المصنف سلك بهذا التركيب في هذا المقام مسلكاً عجيباً، وخرج به تخريجاً غريباً قلما تذهب إليه الأذهان إلا من ريض نفسه في علم البيان وتمرن في الأصول، فنقول: المصنف ساق كلامه أولاً في بيان ما يقتضي التركيب من الخواص بدلالة عبارته من جهة المولى، ثم ثنى إلى بيان ما يقتضيه بدلالة إشارته من جهة العبد، أما الأول فعلى وجوه:
أحدها: دلالة اسم الذات بحسب ما يقتضيه هذا المقام من معنى الغفران الواسع، وإيراد التركيب على صيغة الإنشاء دون الإخبار، بأن لم يقل: وما يغفر الذنوب إلا الله تقرير لذلك المعنى وتأكيد له، كأنه قيل: هل تعرفون أحداً يقدر على عفو الذنوب كلها صغيرها