و (يضركم) على أن ضمة الراء لإتباع ضمة الضاد، كقولك: مدّ يا هذا؛ وروي المفضل عن عاصم (لا يَضُرُّكُمْ) بفتح الراء، وهذا تعليم من اللَّه وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى. وقد قال الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك
(إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ) من الصبر والتقوى وغيرهما (مُحِيطٌ) ففاعل بكم ما أنتم أهله. وقرئ بالياء بمعنى أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه.
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) 121 ـ 122]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد قال الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلاً في نفسك)، نظم الشافعي رضي الله عنه المعنى:
إذا ما شئت إرغام الأعادي ... بلا سيف يسل ولا سنان
فزد في مكرماتك فهي أعدى ... على الأعداء من نوب الزمان
وأما تنزيل هذا المعنى على الآية فهو أن قوله: (لا يَضُرُّكُمْ) وقع جزاء لصبرهم وتقواهم، ولا يستقيم ذلك المعنى على ظاهره، لكن مفهوم قوله: (لا يَضُرُّكُمْ) بعد ذكر الصبر والتقوى يؤذن أن القوم إنما حاولوا الإضرار بسبب الحسد لاشتمال المقام عليه، والحاسد إنما يتغيظ بما يتصور في المحسود من صفة الكمال، ولا كمال في الإنسان أكمل من الاكتساء بلباس الصبر والتزيي بزي التقوى، ولما علم أن غيظ الحاسد لا يؤثر إلا فيه وأن غائلة ضرره راجعة إليه قيل: (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) أي: يرجع ضرره إليهم.