. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: مراد المصنف من قوله: "جواز الانتقال من حجة" أي: بعد إتمامها وإلزام الخصم بها إلى حجة أخرى تأكيداً وتقريراً لها، يدل عليه قوله: "لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه"؛ لأنه لم يكن يستحق الجواب وظهر إفحامه به، وأما أن الثاني أوضح، فلأن اللعين إن قدر على أن يدعي الإحياء والإماتة على ذلك الطريق لكن ليس له البتة أن يدعي مثله في الثاني؛ لأن غير المعطلة مجمعون على أن خالق السماوات والأرض ومدبرها هو الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [لقمان: 25]، فكان هذا أوضح من حيث التعجيز والتبكيت، وهذا أيضاً جواب عن الإشكال الثالث للإمام، ثم إني وقفت على نقل من جانب الإمام البزدوي ما يوافق ما ذهبت إليه، قال: إن قصة إبراهيم عليه السلام ليست من قبيل الانتقال من علة إلى علة أخرى لإثبات الحكم الأول؛ لأن الحجة الأولى كانت لازمة، ألا ترى أنه عارض بأمر باطل وهو قوله: (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وإن كان كذلك كان اللعين منقطعاً، إلا أن إبراهيم عليه السلام لما خاف الاشتباه والتلبيس على القوم انتقل دفعاً للاشتباه إلى ما هو خال عما يوجب لبساً، وذلك حسن عند قيام الحجة وخوف الاشتباه.
وقال محيي السنة: انتقل إبراهيم عليه السلام إلى حجة أخرى لا عجزاً، فإن حجته كانت لازمة؛ لأنه أراد بالإحياء: إحياء الميت، فكان له أن يقول: فأحي من أمته إن كنت صادقاً، فانتقل إلى حجة أوضح من الأولى، وإليه أومى المصنف في "الشعراء": ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمرود بن كنعان، فبهت الذي كفر، وعلم منه أنه إذا لم تكن الحجة لازمة وشرع في الثانية كان منقطعاً.