. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مثال إلى مثال آخر للإيضاح، فقول إبراهيم عليه السلام: (رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) في المحاجة ينبئ أن يكون استدلالاً له على وجود الصانع تعالى وتقدس بحدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثه في الظاهر ولا يسعه أن يدعي إحداثه، فجاء بالإحياء والإماتة للمثال، فنازع نمرود في المثال، فانتقل إلى ما لا يمكنه المنازعة فيه ولا بحث في النظير. وذكر القاضي وصاحب "الانتصاف" ما يقرب منه، وتمام تقريره ما ذكره الإمام، قال: للناس في هذا المقام طريقان، أحدهما: قول أكثر المفسرين، وهو أن إبراهيم عليه السلام لما سمع من نمرود تلك الشبهة عدل عن ذلك إلى دليل آخر أوضح منه، وزعموا أن الانتقال من دليل إلى دليل آخر أوضح منه جائز للمستدل؛ والطريق الثاني: أن هذا ما كان انتقالاً من دليل إلى آخر، والذي فعله إبراهيم عليه السلام من باب ما يكون الدليل واحداً، إلا أن الانتقال لإيضاحه من مثال إلى مثال آخر، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما احتج بالإحياء والإماتة، قال المنكر: أتدعي الإحياء والإماتة من الله تعالى ابتداء أم بواسطة الأسباب السماوية والأرضية؟ أما الأول فلا سبيل إليه، وأما الثاني فأنا أيضاً قادر عليه، وهو المراد بقوله: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، فلما أجاب نمرود بذلك قال إبراهيم: هب أن الإحياء والإماتة حصلا من الله بواسطة الأسباب، إلا أنه لابد لتلك الأسباب من مسبب فاعل مختار يوجد ويعدم وهو الله تعالى، وليس الإحياء والإماتة الصادران من البشر بتلك الحيثية، ثم قال: والإشكال على الأول من وجوه، أحدها: أن صاحب الشبهة إذا ذكر الشبهة ووقعت في الأسماع وجب على المحق أنه يجيبه في الحال إزالة للتلبيس، فكيف ترك النبي المعصوم الجواب؟ وثانيها: أن الانتقال إنما يجوز إذا كان المنتقل إليه أوضح، وها هنا بالعكس، وثالثها: أن نمرود لما لم يستحي من المعارضة الأولى بالقتل والتخلية، فكيف يؤمن منه أن يقول هذا مني؟ .