قال ابن الرقاع العاملي:
وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِى عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحفظ والتدبير، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده. وقلت: المذكور أبلغ من عكسه، وهو من باب فحوى الخطاب والتتميم، وذلك أن قوله تعالى: (لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ) يفيد انتفاء السنة، واندرج تحته انتفاء النوم بالطريق الأولى على باب قوله: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) [الإسراء: 23] ثم جيء بقوله: (وَلا نَوْمٌ) تأكيداً للنوم المنفي ضمناً، ولو عكس لكان من باب الترقي على معنى: لا تأخذه سنة فكيف بالنوم؟ كما قال المصنف في قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء: 172]، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية، فكيف بالمسيح. وقد نبهت في "الرحمن الرحيم" على أن التتميم أبلغ من الترقي، فأحسن تدبره فإنه لطيف جداً، ومنه قوله تعالى: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) [الكهف: 49]، قال صاحب "المثل السائر": إن وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة على الكبيرة، وعلى القياس: ينبغي أن يكون لا يغادر كبيرة ولا صغيرة؛ لأنه إذا لم يغادر صغيرة فمن الأولى أن لا يغادر كبيرة، وأما إذا لم يغادر كبيرة فإنه يجوز أن يغادر صغيرة؛ لأنه إذا لم يعف عن الصغيرة اقتضى القياس أنه لا يعفو عن الكبيرة، وإذا لم يعف عن الكبيرة فيجوز أن يعفو عن الصغيرة، وكذلك ورد قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) [الإسراء: 23].
قوله: (وسنان أقصده النعاس) البيت، الوسن: اختلاط النوم بالعين قبل استحكامه، ورجل وسنان وامرأة وسنانة، والسنة: ما يتقدم النوم من الفتور، والنوم: ريح تقوم من أغشية