(أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) أراد الإنفاق الواجب؛ لاتصال الوعيد به (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَاتِيَ يَوْمٌ) لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق، لأنه لا بَيْعٌ فِيهِ حتى تبتاعوا ........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحكم دون الطلب، إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك، وقلت: ظاهر الآية مع المتكلمين، لأن المعنى: ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله شاء ذلك فاقتتلوا، والله يفعل ما يشاء، فوضع موضعه ما يريد مراعاة للفواصل.
قوله: (لاتصال الوعيد به) هو قوله: (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) [البقرة: 254] الآية، لأن الواجب هو: الذي يستحق تاركه العقاب، قال الإمام: اعلم أن أصعب الأشياء على الإنسان بذل النفس في القتال والمال في الإنفاق، فلما قدم الأمر بالقتال أعقبه الأمر بالإنفاق، وأنه تعالى لما أمر بالقتال فيما سبق بقوله: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ثم أعقبه بقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ)، والمقصود منه الإنفاق في الجهاد، ثم أكده ثانياً وذكر فيه قصة طالوت، أعقبه مرة أخرى.
وقلت: قد دل على أن الآيات واردة في الجهاد وفي الإنفاق سابقها ولاحقها، أما السابق فقوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا)، وأما اللاحق فقوله: (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ) لما فيه لمحة من معنى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ) [التوبة: 111]، وكذا قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256]، كأنه سبحانه وتعالى يقول: أنتم أيها المؤمنون من الذين يقاتلون من خالف الأنبياء وبدلوا بعدهم الشرك بالتوحيد والباطل بالحق، فجاهدوا المخالفين بأموالكم وأنفسكم ولا تخافوا ضياع سعيكم، فإن الذي تعاملونه حي قيوم لا يعتريه سهو ولا غفلة، يعلم ما تفعلون، قادر مالك كامل القدرة شامل العلم، فيجازيكم به ويزيدكم من فضله، ثم إذا جاهدتم الكفار حق جهاده بعد ما دعوتموهم إلى الدين الحق باللين والرفق وبذلتم وسعكم وجهدكم وفعلتم ما وجب عليكم، لا عليكم ألا يؤمنوا؛ لأنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.