وروي: أنه حسده وأراد قتله ثم تاب. (وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) في مشارق الأرض المقدّسة ومغاربها، وما اجتمعت بنو إسرائيل على ملك قط قبل داود، (وَالْحِكْمَةَ): النبوّة (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) من صنعة الدروع وكلام الطير والدواب وغير ذلك، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ): ولولا أن اللَّه يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم، لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طلبوا ثانياً ثبات القدم، أي: تحمل المكاوحة والمقاومة مع العدو؛ لأن الصبر على القتل قد يحصل لغير المحارب، ثم طلبوا العمدة والمقصود من المحاربة، وهي النصرة والدبرة على الخصم؛ لأن الشجاعة دون نصرة الله لا تنفع، والفاء في (فَهَزَمُوهُمْ) فاء فصيحة، أي: استجاب الله دعاءهم وفهم مناهم فصبروا وثبتوا ونصرهم الله فهزموهم.

قوله: (ولولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون). الراغب: فيه تنبيه على فضيلة الملك وانه لولاه لما استتب أمر العالم، ولهذا قيل: الدين والملك توأمان، ففي ارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر؛ لأن الدين أس والملك حارس، وما لا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، وعلى ذلك قوله: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ) [الحج: 40].

إن قيل: على أي وجه دفع الله الناس ببعضهم؟ قيل: على وجهين، أحدهما: دفع ظاهر، والثاني: خفي، فالظاهر: ما كان بالسواس الأربعة: الأنبياء، والملوك، والحكماء المعنيون بقوله: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة: 269] والوعاظ، فسلطان الأنبياء على الكافة خاصهم وعامهم ظاهرهم وباطنهم، وسلطان الملوك على ظواهر الكافة دون الباطن، كما قيل: نحن ملوك أبدانهم لا ملوك أديانهم، وسلطان الحكماء على الخاصة دون العامة، وسلطان الوعاظ على بواطن العامة، وأما الدفع الخفي فبسلطان العقل، فالعقل يدفع عن كثير من القبائح، وهو السبب في التزام حكم سلطان الظاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015