الذين انخذلوا، و (الذين يظنون) هم القليل الذين ثبتوا معه، كأنهم تقاولوا بذلك والنهر بينهما، يظهر أولئك عذرهم في الانخزال ويرد عليهم هؤلاء ما يعتذرون به .......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيف يقال فيهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ويوضع المظهر موضع المضمر القليل المشعر بالتعظيم؟ والحال أنهم يقولون: (لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) فإن قلت: فسر (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) على أن القائلين هم القليلون بوجهين، فما تفسيره على أنهم الكثيرون؟ قلت: تركه اعتماداً على السابق، والأنسب أن يفسر (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) على إرادة الكثيرين بقوله: "المخلصين الذين تيقنوا لقاء الله" ليكون تعريضاً بأولئك المنخزلين وأنهم غير مخلصين ومندرجون تحت قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ... ) [يونس: 7] ويعضد التعريض تكرير وضع الظاهر واختلافه، وعلى إرادة القليلين أن يؤول بقوله: "الذين تيقنوا أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله"، فإنهم لما سمعوا ذلك من إخوانهم المؤمنين وشاهدوا استكانتهم وجبنهم تشجعوا وقالوا: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ)، ونظيره قوله تعالى: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) [آل عمران: 122] قال: الطائفتان حيان من الأنصار، وانخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس، فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وإن الوجه القوي هو القول بالتعريض كما سبق، وأما اختصاص الوصفين- أعني الإيمان والإيقان- بلقاء الله في هذا التعريض والقوم يهود فكاختصاصهما في "ما" قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [البقرة: 4] من التعريض.

قوله: (وأيقنوه)، قال الزجاج: "ظننت" جاء بمعنى: أيقنت، قال دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سوادهم في الفارسي المسرد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015