(أَنَّى): كيف، ومن أين، وهو إنكار لتملكه عليهم، واستبعاد له. فإن قلت: ما الفرق بين الواوين في: (وَنَحْنُ أَحَقُّ)، (وَلَمْ يُؤْتَ)؟ قلت: الأولى للحال، والثانية لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالاً، قد انتظمتهما معاً في حكم واو الحال. والمعنى: كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك؛ لوجود من هو أحق بالملك، وأنه فقير ولا بدّ للملك من مال يعتضد به. وإنما قالوا ذلك؛ لأنّ النبوّة كانت في سبط لاوي بن يعقوب، والملك في سبط يهوذا، ولم يكن طالوت من أحد السبطين؛ ولأنه كان رجلاً سقاءً أو دباغاً فقيراً. وروي: أنّ نبيهم دعا اللَّه تعالى حين طلبوا منه ملكاً فأتي بعصاً يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت.
(قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ): يريد أنّ اللَّه هو الذي اختاره عليكم، وهو أعلم بالمصالح منكم، ولا اعتراض على حكم اللَّه، ثم ذكر مصلحتين أنفع مما ذكروا من النسب والمال وهما العلم المبسوط والجسامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الأولى: للحال، والثانية: لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالاً)، الانتصاف: هذا من السهل الممتنع. الإنصاف: لا أدري ما وعر هذا السهل. قلت: سهل ما وعره عدم السلوك وقلة توغله فيه، فالحال الأولى هي المقررة لجهة الإشكال، كقوله تعالى: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) [البقرة: 30]، والثانية لتتميم معناها والمبالغة فيها.
قوله: (من أحد السبطين) قيل: كان من سبط بنيامين، وهو أدون الأسباط.
قوله: (ثم ذكر مصلحتين) يريد أن قوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ) وقع جواباً عن قولهم: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا) الآية، على طريقة الاستئناف والرد عليهم، وأن قوله: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) على آخره شروع في تفصيله على ما بنوا عليه كلامهم، قال القاضي: لما استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه، رد عليهم ذلك أولاً بأن العمدة فيه