فقلت: غفر اللَّه لك، أتخطبني في عدّتي وأنت يؤخذ عنك! فقال: أوقد فعلت؟ إنما أخبرتك بقرابتي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وموضعي، قد دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أم سلمة، وكانت عند ابن عمها أبي سلمة، فتوفي عنها، فلم يزل يذكر لها منزلته من اللَّه وهو متحامل على يده، حتى أثر الحصير في يده من شدّة تحامله عليها، فما كانت تلك خطبة. فإن قلت: أي: فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت: الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له؛ كقولك: طويل النجاد والحمائل؛ لطول القامة، وكثير الرماد؛ للمضياف، والتعريض أن تذكر شيئاً تدل به على شيء لم تذكره؛ كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك الكريم؛ ولذلك قالوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أوقد فعلت؟ ) يروى بضم التاء وبكسرها، والهمزة للإنكار، وتعريض النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر منزلته بيان شرعية التعريض، وإلا لما كان محتاجاً إلى ذكر منزلته عندها.
قوله: (وهو متحامل)، النهاية: تحاملت الشيء: تكلفته على مشقة. "الأساس": والشيخ يتحامل في مشيته، وتحاملت الشيء: حملته على مشقة، وتحامل علي فلان: لم يعدل.
قوله: (الكناية: أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له)، ليس هذا تعريف الكناية، لدخول المجاز فيه، ولو قال: مع قرينة غير مانعة لإرادة الموضوع له لصح، وكذلك تعريف التعريض هو: اللفظ المشار به على جانب بحيث يوهم أن الغرض جانب آخر، وبين الكناية والتعريض عموم وخصوص من وجه، فقد يكون كناية ولا يكون تعريضاً كقولك: فلان طويل النجاد، وبالعكس، كقولك في عرض من يؤذيك لغير المؤذي: آذيتني فستعرف، وعليه قوله تعالى لعيسى عليه السلام: (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [المائدة: 116]، وقد يجتمع التعريض والكناية معاً، كقولك في عرض من يؤذي المؤمنين: المؤمن هو الذي يصلي ويزكي ولا يؤذي أخاه المؤمن، ويتوصل بذلك إلى نفي الإيمان عن المؤذي ومن هو بصدده، والتلويح: أن تشير إلى مطلوبك من بعد، كقولك: "فلان كثير الرماد"، فإنه يدلُّ على