والدليل عليه: (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [المائدة: 89]، (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)، واختلف الفقهاء فيه: فعند أبي حنيفة وأصحابه: هو أن يحلف على الشيء يظنه على ما حلف عليه ثم يظهر خلافه، وعند الشافعي: هو قول العرب: لا واللَّه، وبلى واللَّه، مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف. ولو قيل لواحد منهم:

سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لأنكر ذلك، ولعله قال: "لا واللَّه" ألف مرة. وفيه معنيان: أحدهما: (لا يُؤاخِذُكُمُ الله) أي: لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن، ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم، ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) في المائدة [89]، وقلت: وفي قوله: (بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ذلك المعنى أيضاً، وذلك أن الكسب يستعمل فيما يزاول باليد، كقوله تعالى: (كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30]، فاستعماله في القلب استعارة، فيفيد المبالغة. الراغب: قوله: (بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) أعم من قوله: (بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ)، وذلك أن القلب لما كان يعبر به عن الجسد الذي به المعرفة والفكر، ويجري من سائر أجزائه مجرى الراعي من المرعي، نبه بقوله: (بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) أن الاعتداد به دون غيره من الجوارح، حتى إن كل فعل لا يكون عنه وبه سهو أو خطأ متجاوز عنه، ولهذا ورد أن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح بها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد.

قوله: (في المسجد الحرام) فيه نكتة، يعني: الحلف مع انضمام ما يعد مغلظة لاعتبار المقام يعد في العرف لغواً.

قوله: (ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم)، يفهم من كلامه عدم المعاقبة على لغو اليمين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015