فتوح البلدان (صفحة 154)

وكتب موسى بْن أعين: قَدْ كان يكون مثل هَذَا فيما خلا فيعمل الولاة فيه النظر، ولم أر أحدا ممن مضى نقض عهد أهل قبرس ولا غيرها ولعل عامتهم وجماعتهم لم يمالئوا عَلَى ما كان من خاصتهم، وأنا أرى الوفاء لهم والتمام عَلَى شرطهم وإن كان منهم الَّذِي كان، وقد سمعت الأوزاعي يقول في قوم صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها: إنهم إن كانوا ذمة فقد نقضوا عهدهم وخرجوا من ذمتهم، فإن شاء الوالي قتل وصلب، وإن كانوا صلحا لم يدخلوا في ذمة المسلمين نبذ إليهم الوالي عَلَى سواء (أَنَّ اللَّه لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) 12: 52.

وكتب إِسْمَاعِيل بْن عياش: أهل قبرس أذلاء مقهورون يغلبهم الروم عَلَى أنفسهم ونسائهم فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم.

وقد كتب حبيب بْن مسلمة لأهل تفليس في عهده أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم عدوكم فإن ذلك غير ناقض عهدكم بعد أن تفوا للمسلمين وأنا أرى أن يقروا عَلَى عهدهم وذمتهم، فإن الوليد بْن يزيد قَدْ كان أجلاهم إِلَى الشام فاستقطع ذلك المسلمون واستعظمه الفقهاء، فلما ولى يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك ردهم إِلَى قبرس فاستحسن المسلمون ذلك من فعله ورأوه عدلا.

وكتب يَحْيَى بْن حَمْزَة: إن أمر قبرس كأمر عربسوس فإن فيها قدوة حسنة وسنة متبعة وكان من أمرها أن عمير بْن سَعْد قَالَ لعمر بْن الخطاب وقدم عَلَيْهِ: إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عربسوس، وأنهم يخبرون عدونا بعوراتنا ولا يظهرونا عَلَى عورات عدونا، فقال عُمَر: فإذا قدمت فخيرهم أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين، ومكان كل شيء شيئين فإذا رضوا بذلك فأعطهم إياه وأجلهم وأخربها فإن أبوا فانبذ إليهم وأجلهم سنة ثُمَّ أخربها، فانتهى عمير إِلَى ذلك فأبوا فأجلهم سنة ثُمَّ أخربها، وكان لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015