قبلي ليس برأي ابتدعته ولا حدث أحدثته، ولكن هذا القرآن واحد، جاء من عند واحد، وهؤلاء قراء القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أهل دار الهجرة، والمهاجرون، والأنصار، وصالحو الأمصار، قد نهضوا فيه وقاموا به في كل أفق وخافوا أن يلبس من بعدهم وأن يجعله الناس عضين، وليس بهم أنت ولا أمثالك. فقام ابن مسعود يوم خطبته فخطب وعذر المسلمين، وقال: إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً، ولكن ينتزعه بذهاب العلماء. وإن الله لا يجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، فجامعوهم على ما اجتمعوا عليه فإن الحق فيما اجتمعوا عليه، فوالله ما تابعه أصحابه ولكن استعربوا، فكتب ابن مسعود بذلك إلى عثمان، واستأذنه في الرجوع إلى المدينة، وأعلمه أنه يكره المقام بالكوفة لما يخاف أن يحدث فيها بعد فشو الدنيا والإذاعة والتكلف، ويأبى أن يأذن له، حتى أذن له قبل موته بأشهر لإكثاره عليه.

وكتب عثمان إلى الأمراء: أما بعد، فإن الرعية قد طعنت في الانتشار، ونزعت إلى الشر، وأعداها على ذلك ثلاث: دنيا مؤثرة، وأهواء متشرعة، وظعائن محمولة، ويوشك أن ننفر ثم نغير فلا تجعلوا لأحد علة، كفوا عنهم ما لم يحرفوا ديناً، وخذوا العفو من أخلاقهم واحملوهم ودين الله لا تركبنه.

وكتب إليهم: استعينوا على الناس وكلما ينوبكم بالصبر، والصلاة، وأمر الله أقيموه ولا تداهنوا فيه، وإياكم والعجلة فيما سوى ذلك، وارضوا من الشر بأيسره، فإن قليل الشر كثير، واعلموا أن الذي ألف بين القلوب هو الذي يفرقها ويباعد بعضها من بعض، سيروا سيرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015