حينئذٍ إن وأنّ من العبث أن يؤتى بهما في كلام تخاطب به من لا إنكار ولا شك عنده ولا تردد، وإنما يؤتى بمؤكد واحد فأكثر استحسانا أو وجوباً إذا كان المخاطب عنده نوع إنكاركما هو موضح في محله. إذًا يتفقان في أنهما موضوعان لتأكيد النسبة، ويفترقان أنّ إنّ تأتي في أول الكلام، وأنّ لا تأتي في أول الكلام بل لا بد من كلامٍ يسبقها، تقول: أعجبني أنّ زيداً قائمٌ، ولا يصح أن تقول: أن زيداً قائمٌ، لأن أن بالفتح تعد من الحروف المصدرية، يعني التي تسبك مع ما بعدها بمصدر, فحينئذٍ أن مع مدخولها في قوة المفرد لأنه يؤول بمصدر، فإذا أُوِّل بمصدر فحينئذٍ لا بد له من عامل يقتضيه. ولذلك أنَّ وما بعدها تأتي فاعلا ونائب فاعل، وتُجرُّ بحرف الجر وتضاف, لأنها في قوة المفرد فامتنع أن يؤتى بها هو أول الكلام بل لا بد من أن تسبق بكلام، فتقول: أعجبني أنك قائمٌ أي قيامك، ومنه قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا) [العنكبوت:51] الآية أي أولم يكفهم إنزالنا فهي فاعل هنا, وقوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ) [الجن:1] الآية أي قل أُوحي إلي استماع نفر، فهي هنا نائب فاعل.
إذًا إن وأن للتوكيد، والتوكيد عندهم كأنك كررت الجملة مرتين على أقل تقدير، فإذا قلت: إن زيداً عالمٌ أصل التركيب: زيدٌ عالمٌ, زيدٌ عالمٌ فالتأكيد هنا حصل بتكرار الجملة، قيل: مرتين أو ثلاث مرات على الخلاف, زيدٌ عالمٌ , زيدٌ عالمٌ فَحذفت الجملة الثانية أو الثالثة وجئت بإنّ , فهي قائمة مقام جملة أُخرى أو جملتين،