وأما استمداد مقالة التعطيل فكان من اليهود والمشركين وضلال الصابئين والفلاسفة؛ فإن الجعد بن درهم أخذ مقالته - على ما قيل - من أبان بن سمعان عن طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ثم إن الجعد كان - على ما قيل - من أرض حَرَّان وفيها خلق كثير من المشركين والصابئة والفلاسفة، ولا ريب أن للبيئة تأثيراً قويًّا في عقيدة الإنسان وأخلاقه.
وكان مذهب النفاة من هؤلاء أن الله ليس له صفات ثبوتية؛ لأن ثبوت الصفات يقتضي - على زعمهم - أن الله مشابه لخلقه، وإنما يثبتون له صفات سلبية، أو إضافية، أو مركبة منهما.
فالسلبية: ما كان مدلولها عدم أمر لا يليق بالله عزّ وجل مثل قولهم: "إن الله واحد" بمعنى أنه مسلوب عنه القسمة بالكم، أو القول، ومسلوب عنه الشريك.
والإضافية: هي التي لا يوصف الله بها على أنها صفة ثابتة له، ولكن يوصف بها باعتبار إضافتها إلى الغير، كقولهم عن الله تعالى: "إنه مبدأ وعلة" فهو مبدأ وعلة، باعتبار أن الأشياء صدرت منه، لا باعتبار صفة ثابتة له هي البداء والعلية.