وكلامهم مملوء بذلك نصًّا وظاهراً. قال الأوزاعي: "كنّا والتابعون متوافرون. نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات" (?) . قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم النافي لصفات الله وعلوه؛ ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يُخالف مذهب جَهْم.
ولم يقل أحد من السلف قطّ: إن الله ليس في السماء، ولا إنه بذاته في كل مكان، ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه، بل قد أشار إليه أعلم الخلق به في حجة الوداع يوم عرفة في ذلك المجمع العظيم، حينما رفع إصبعه إلى السماء، يقول: "اللهم اشهد"، يُشهد ربه على إقرار أمته بإبلاغه الرسالة، صلوات الله وسلامه عليه.
وأما العقل: فإن كل عقل صريح يدل على وجوب علو الله بذاته فوق خلقه، من وجهين:
الأول - أن العلو صفة كمال، والله تعالى قد وجب له الكمال المطلق من جميع الوجوه، فلزم ثبوت العلو له تبارك وتعالى.
الثاني - أن العلو ضده السفل، والسفل صفة نقص، والله تعالى مُنزّه عن جميع صفات النقص، فلزم تنزيهه عن السفل،