ومن فوائد هذا الحديث: أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفرش بالتراب بما تتغطى به النخامة لقوله: «كفارتها دفنها» , وبهذا نجيب على من أنكر وجود هذه العلامات على تسوية الصف - الخطوط - وقال: هذه بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها؛ فيقال: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليس صالحًا لها؛ لأن ليس مفروشًا بالقطن أو الصوف أو ما أشبه ذلك, مفروش بالحصباء, إذا كان مفروشًا بالحصباء كيف يمكن أن نصب عليه شيئًا يجعل له لونًا معينًا, لا يمكن, قالوا: يمكن أن يخط خط والصحابة ما خطوا خطا؟ والجواب: هذا الخط يزول بالمشي عليه, وحينئذ يكون الخط عبثًا, قالوا: يمكن أن يوضع خيط, قلنا: الخيط أيضًا يعثر به الناس ولا يمكن, ونحن لا نقول: إن وضع هذه الخطوط عبادة بذاتها لكنه وسيلة لعبادة مقصودة شرعًا وهي تسوية الصف, ولهذا استرحنا لما كان المسجد مفروشًا بالرمل كان الإنسان يتعب خصوصًا في الصفوف التي ليست على الأعمدة: هذا يتقدم وهذا يتأخر لما جاءت هذه الخطوط - والحمد لله - استراح الإنسان فهي مقصودة لغيرها, كما أن تأليف الكتب وطباعتها وتبويب أبواب الفقه كل هذا ليس موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهل لأحد أن ينكره؟ لا يمكن؛ لأنه وسيلة لمطلوب شرعًا, وهذا مثله, ولهذا يجب على طالب العلم أن يتنبه لهذه المسألة وهي ما إذا كان فعل الشيء مقصودًا بالذات, وما إذا كان وسيلة لمقصود شرعي ثابت الأول بدعة, والثاني جائز بل هو مطلوب.

فإن قال قائل: أهل البدع يقولون: إننا نتقرب إلى الله تعالى.

قلنا: إذن هي عندكم مقصودة لذاتها, فهي بدعة, إذا قالوا: إن إحياء ذكرى المولد النبوي من أجل أن تقوى المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم, قلنا: قد جعل الله تعالى لمحبة رسوله أسبابًا أقوى من هذه وأدوم, أسبابًا تكون مع الإنسان إلى موته ليلًا ونهارًا, فإن كل عبادة يفعلها الإنسان وهو يشعر بأنه متأس بالرسول صلى الله عليه وسلم سوف يذكره لا بلسانه لكن بقلبه, ثم إعلان ذكرى الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الأذان في اليوم والليلة خمس مرات على الأقل, وقد تكون ثلاث مرات إذا كان هناك جمع, وقد تكون ست مرات وسبع مرات, إذا كان هناك أذان أول في آخر الليل وأذان أول في الجمعة فانتبهوا لهذه الفائدة, ما فعل لذاته فلابد أن يثبت بنص؛ يعني: ما نتقرب إلى الله بذاته فلابد أن يثبت بنص, وما كان وسيلة لمقصود شرعي فهو على حسب ذلك المقصود.

فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذا الحديث, وبين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبصق الإنسان عن يساره, أو تحت قدميه؟

قلنا: الحمد لله ليس بينهما تعارض, يجمل قوله: «عن يساره أو تحت قدميه» على ما كان خارج المسجد, وأما ما كان في المسجد فليبصق في ثوبه أو في منديله أو بين يديه, ويحك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015