وأمره أن يذهب إلى عمرته؛ فذهب واعتمر ودخل مكة يلبي بغير تلبية المشركين, تلبية المشركين يقولون: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك, هو قد دخل بالتلبية الخالصة بالتوحيد فأنكرت عليه قريش, وقالوا له: صبأت, قال: لا, أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم, والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة إلا بأذن النبي صلى الله عليه وسلم, لما قال هذا وكانوا هموا بقتله قال بعضهم لبعض: لا تقتلوه يحبس عنا الطعام؛ لأن مكة غير ذي زرع, فتركوه ومنع صدور الحنطة إليهم, فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده وتقول: أنت تصل الرحم وتكسب المعدوم, وذكروا من صفاته - عليه الصلاة والسلام - وأخبروه بما قال ثمامة بن أثال, فشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة أن يبعث إليهم بالحنطة صلة للرحم. وتعظيمًا للبيت, وإن كان هؤلاء مشركين. هذه قصة ثمامة بن أثال, وفيها عبر وهي: أن المن قد يكون خيرًا من الانتقام, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو قتله قتله على الكفر ولم يستفد هذه الفائدة العظيمة: إعلانه في مكة التي أهلها مشركون أنه تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا أن يحصل أنهم يتشفعون به إلا ثمامة ليرسل لهم الطعام.
وفيه أيضًا: دليل على أنه يجوز للإمام أن يمن على الأسير بغير فداء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من عليه.
نرجع إلى المقصود من المؤلف لسياق هذا الحديث: ففيه دليل على جواز ربط الأسير من حيث الجملة سواء في المسجد أو في السوق أو في البيت المهم ربط الأسير, والأسير يخير فيه الإمام بين أمور: القتل, والمن مجانًا, والفداء بأسير مسلم, والفداء بمال, أو منفعة يخير فيه, وهل هذا التخيير على حسب شهوته وإرادته, أو على حسب المصلحة؟ الثاني؛ لأن كل من له ولاية على شيء فالوةاجب عليه أن يراعي المصلحة فيما خير فيه, لا يراعي مصلحته الشخصية, فاختار النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأربعة خيارات أن يمن عليه, فإذا كان الإنسان يعلم أن هذا الأسير إذا من عليه لكونه شريفًا يرى أن المن عليه كبير أن يمن عليه وتكون العاقبة والنتيجة حميدة.
من فوائد هذا الحديث: جواز دخول الكافر المسجد؛ لأن ثمامة ما ربط في اسارية إلا بعد دخوله المسجد, فهل يجوز دخول الكافر المسجد أو لا؟ يجوز, بعض العلماء يقول: لا يجوز مطلقًا, واستدلوا بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]. وقالوا: إذا كان الكافر يمنع من دخول حرم مكة وإن كان في غير المساجد, فالمساجد التي هي بيوت الله من باب أولى, وأجابوا عن حديث ثمامة بأنه منسوخ, ولكن هذا ليس بصواب؛ لأن لمكة وحرمها من التعظيم والتشريف