وقوله: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة» أبردوا؛ أي: أخروها حتى يبرد الجو, والمراد بالصلاة هنا: صلاة الظهر؛ لأنها هي التي تقع في شدة الحر.
ثم قال: «إن شدة الحر من فيح جهنم»؛ أي: من سمومها وحرارتها, ووجه ذلك: «أن النار اشتكت إلى الله عز وجل فأذن الله تعالى لها بنفسين نفس في الصيف, ونفس في الشتاء, فأشد ما نجد من الحرارة هذا من نفس الصيف, وأشد ما نجد من البرودة هذا من نفس الشتاء» , وهذا العلم الذي أخبر به النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يدركه علماء الفلك بعلومهم وعقولهم, لأنه شيء فوق ما يعرفونه, ولكننا نحن نؤمن بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق لا مرية فيه, «وجهن» اسم من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها.
في هذا الحديث: الأمر بالإبراد بالصلاة إذا اشتد الحر, وهل الأمر هنا أمر إباحة ورخصة, أو هو أمر ندب, أو أمر واجب؟ كل هذا محتمل: يحتمل أنه للرخصة؛ لأن الأصل الأمر بتقديم الصلاة فيكون الأمر بعد ذلك - أي: بالتأخير - يكون رخصة, وإذا كان رخصة فإنه ينظر بما يكون أرفق بالناس, وقيل: إنه أمر تشريع, ثم هل هو واجب, أو ليس بواجب؟ في هذا تفصيل, المهم هذه الفائدة مشروعية الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر هذا هو الصواب أنه مشروع, ثم هل يجب أو لا يجب؟ ينظر إذا كان في الحضور إلى الصلاة في وقت الحر مشقة تذهب الخشوع فإن الإبراد واجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإبراد عام سواء كان في الحضر أو في السفر, وقد جاء ذلك صريحًا في السفر؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقام بلال ليؤذن فقال له: «أبرد» , ثم قام ليؤذن, فقال: «أبرد» , ثم قام ليؤذن, فقال: «أبرد» , حتى رأوا فيء التلول. وهذا يعني: أن الشمس تجاوزت الزوال بكثير, وهذا الذي يحصل به الإبراد, أما ما كان الناس يفعلونه فيما سبق يتأخرون عن زوال الشمس بساعة إلا ربع - أي: 45 دقيقة -, أو بساعة - أي: بـ «60» دقيقة - فهذا لا يغني شيئًا؛ لأنه لم يحصل الإبراد, بل ربما يكون هذا أشد ما يكون حرًا, فالإبراد بمعنى: أن يقرب فعل الصلاة من دخول وقت العصر.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى طلب الخشوع في الصلاة؛ لأن الإنسان إذا كان في شدة الحر فإنه سوف يقل خشوعه؛ لأن الحر مزعج يوجب انشغال القلب, فهل نقول مثل ذلك في التدفئة؟ يعني مثلًا: لو الإنسان قام إلى صلاة الفجر, وصار عليه غسل فاغتسل, هل نقول: لا يصلي ما دام ينتفض من البرد, فليتدفأ أولًا ثم يصلي؟
الجواب: نعم؛ لأن العلة واحدة, وهي ذهاب الخشوع.