وقوله: «حين انشق الفجر» جعل ذلك انشقاقًا؛ لأن الفجر إذا سطع على الظلمة فكأنما شقها؛ لأنها تتمايز الظلمة في مكان النور, فيكون هذا انشقاقًا, ولا يحدث ذلك إلا في الفجر الصادق؛ لأنه يمتدمن الشمال إلى الجنوب ويتصل بالأفق ولا ظلمة بعده؛ هذا هو الفجر الصادق.
يوجد الفجر الكاذب, ويختلف عن الفجر الصادق بثلاثة أمور:
أولًا: أن الفجر الكاذب مستطيل, يعني: يصعد في السماء طولًا.
والثاني: أنه لا يتصل بالأفق؛ لأن ما بينه وبين الأفق ظلمة.
والثالث: أنه يضمحل ويزول.
أما الصادق - فكما عرفتم بالأول - لا يتأتى في هذه الأشياء الثلاثة.
وقوله: «والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا». أي: لا تقرب معرفة بعضهم بعضًا؛ وذلك لشدة الظلمة وعدم الإضاءة بالسروج.
148 - وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله». متفق عليه.
قوله: «كنا نصلي» هذه كان واسمها, والمعروف أن «كان» تفيد الدوام غالبا إذا كان خبرها فعلًا مضارعًا «كان يقرأ» , «كان يفعل» وما أشبه ذلك.
وقوله: «نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا» يعني: من الصلاة, وهم لا ينصرفون إلا بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نهى أن يسبقوه بالانصراف, وكان صلى الله عليه وسلم يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يقول: أستغفر الله ثلاثًا, اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام, ثم ينصرف فينصرف الناس, فقوله: «فينصرف أحدنا» يعني: بعد أن ينصرف النبي صلى الله عليه وسلم, و «إنه» الجملة هذه حالية حال من الفاعل في قوله: «ينصرف»؛ أي: من أحدنا, والحال: «وإنه ليبصر مواقع نبله» , وكسرت «إن»؛ لأن الجملة الحالية تكون مستأنفة, ويضاف إلى ذلك في هذا التعبير أنها قرنت اللام في خبرها, وإذا قرن خبر إن باللام وجب كسرها. «ليبصر مواقع نبله» أي: المكان الذي يقع فيه النبل, يعني: نبل السهم, يعني: السهم إذا أطلقه من القوس وهو بعيد.
ففي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبكر بصلاة المغرب؛ لأنهم إذا كانوا ينصرفون منها والضياء باق إلى هذا الحد؛ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر بصلاة المغرب, ولكن لابد من أن يكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا قبل المغرب, صلوا