«والحديث بعدها» لماذا؟ لأسباب صحية, وأسباب شرعية, أما الأسباب الصحية: فقد اتفق الأطباء - قديمًا وحديثًا - على أن نوم أول الليل أفضل وأصح من نوم آخره, وهذا شيء يعرفه الناس حينما كانوا ينامون من أول الليل.
ثانيًا: أن فيه إعانة على أن يقوم الإنسان للتهجد؛ لأنه إذا نام من أول الليل بعد صلاة العشاء قام إلى التهجد نشيطًا.
ثالثًا: أنه إذا تأخر في النوم حرم التهجد, وإن قام قام على كسل, وربما يحرم صلاة الفجر؛ لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الحديث بعد العشاء.
لكن وردت أحاديث تدل على أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ربما تحدث بعد العشاء؟ .
فيقال في الجواب عن هذه الأحاديث: إن الأمر فيها سهل وهو أنه إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة أن يتحدث فلا بأس.
ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: إلا الحديث اليسير, أو الحديث لشغل, أو الحديث مع الأهل فهذا لا بأس به, وأما أن يبقى دائمًا يتحدث بعد العشاء ولاسيما في أحاديث إما أن تكون لغوًا, وإما أن تكون حرامًا ومعصية, فهذا لا ينبغي, بل إذا كانت معصية صارت حرامًا.
«وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه» «ينفتل» , يعني: ينتهي منها, «وصلاة الغداة» هي الفجر, «حين يعرف الرجل جليسه» يعني: من يجالسه, وهذه التقديرات - كما تعلمون - حدثت في وقت لا توجد ساعات, ولا توجد سرج في المساجد, فكانوا يقدرون هذا بما سمعتم, ولا شك أن هذا على سبيل التقدير؛ لأن معرفة الرجل جليسه تختلف؛ بماذا؟ بقوة البصر, وطبائع الجو, وعدم السقف, وغير ذلك من الأسباب, لكن الصحابة - رضي الله عنهم - أمرهم كله يسير ليس فيه تعمق, يذكرون الأشياء على سبيل التقريب, ومع ذلك: «وكان يقرأ بالستين إلى المائة». متفق عليه. ومعلوم أن القراءات تختلف, والآيات تختلف أيضًا, القراءة تختلف؛ لأن بعض الناس يقرأ بسرعة, ومن الناس من يقرأ ترتيلًا, وربما يكون بين قراءتيهما للجزء الواحد عشر دقائق, وأيضًا الآيات تختلف؛ فمن الآيات: {الرحمن (1) علم القرآن} [الرحمن: 1, 2]. قصيرة, آيات «المرسلات» قصيرة, آيات «اقتربت الساعة» قصيرة, آيات «البقرة» طويلة, فبأي شيء نعتبر؟
نقول: إذا جاءت مثل هذه الأشياء فنعتبر الوسط, وكذلك نعتبر في أداء القراءة الوسط, لا الذي يسرع ولا الذي يبطئ, ونذكر الآن فوائد حديث عبد الله بن عمرو: