ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2]. والصحابة يقولون له: إن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويقرهم على ذلك؟ الجواب أن يقال: إن هذا الدعاء من باب التوكيد, وقد يكون من أسباب أن الله غفر له مات قدم من ذنبه وما تأخر هو الدعاء, ولهذا أخبرنا الله عز وجل أنه يصلي هو وملائكته على النبي, وقال لنا: {صلوا عليه} , يعني اسألوا الله أن يصلي عليه, فكيف يصح؟ نقول: نعم, هو يصلي عليه عز وجل, لكن لعل من أسباب الصلاة عليه أيضًا أن ندعوا له, وهذا كثير أن تكون الأسباب للشيء الواحدة متعددة.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان قد يسر, وقد يعلن في الذنوب, أما المعلن- والعياذ بالله- فهذا أسوة سيئة, ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة, فهو آثم من جهتين: من جهة أنه فعل معصية, ومن جهة أنه جهر بها, وحينئذٍ يتأسى الناس به من جهة وتهون المعصية في نفوس الناس؛ لأن الشيء إذا انتشر هان عند الناس؛ ولهذا يقول العامة كلاماً مضبوطاً يقولون: بكثرة الإمساك يقل الإحداث, وهذا مشاهد الإنسان إذا سمع المنكر أول ما يسمعه تجده يستنكر منك ويشوش به, لكن إذا فعل مرة بعد أخرى هان, فالمجاهرة بالمعاصي هو قد أساء إلى نفسه أولاً وأساء إلى غيره ثانياً, وأساء إلى الشريعة ثالثاً, أما من أسر فهو أهون يكون الأمر بينه وبين الله, وقد يتوب إلى الله, لكن من الناس من ير ثم يعلن, وهذا هو الذي فقد العافية كما جاء في الحديث: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» وهم الذين يفعلون المعاصي سراً ثم يصبحون يتحدثون بها.
ومن فوائد الحديث: وصف الله تعالى بهذين الوصفين المقدم والمؤخر, وهل هما اسمان من أسماء لله أو وصفان من أوصافه؟ يحتمل هذا وهذا, يحتمل أنهما اسمان من أسماء الله؛ لأنهما جاءا معرفا باللام, يحتمل أنهما وصفان, ولكن على الاحتمال الأول يقال فيهما: هما اسمان مزدوجان مقترنان؛ بمعنى: أنه لا يصح إفراد أحدهما عن الآخر, لأنك إذا قلت: أنت المقدم فقد عرفنا أنه مقدم, لكن بقي شيء آخر وهو التأخير ضد التقديم, فلابد أن نقول وأنت المؤخر مثل هو الأول والآخر والظاهر والباطن, فلابد أن نقول: ما يقابل ذلك حتى تكون الإحاطة في الزمن السابق وفي الزمن اللاحق.
ومن فوئد الحديث: إثبات اسم الله تعالى القدير, وسبق لنا البحث في هذه المسألة, وبيان أن قول بعض الناس: «إنه على ما يشاء قدير» غير سديد ولا ينبغي, وأنه يوهم معنى فاسداً وهو مذهب أهل الاعتزال, الذين يقولون: أن الله لا يشاء أفعال العباد, وإذا لم يشأها فليس قادراً إلا على ما يشاء, وحينئذٍ لا يكون قادراً على أفعال العباد فلا يقدر أن يهدي ضالاً ولا أن يضل مهتدياً.