أي: أنهم إذا ظلمهم أحد غفروا له، وإذا أساء إليهم أحسنوا إليه، صفة جميلة: إذا ظلموا عفروا وإذا أسيء إليهم أحسنوا، أي إنسان يسمع هذا الكلام يقول: إنه مدح لكنه في الواقع ذم بدليل ما قبله وما بعده.
ثم قال:
(فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانًا)
يعني: ناس شجعان يركبون الخيل ويشنون الغارات، فتبين بهذا الآن أن نفي العيب قد يكون عيبًا، كذلك نفي العيب قد يكون لعدم قابلية الشيء لذلك العيب، ليس لكماله لكن لعدم قابليته له، ومنه أن تقول: إن جدارنا لا يظلم من استظل به هذا نفي؛ لأنه غير قابل للظلم أو العدم، فلذلك لم يكن نفي الظلم في حقه مدحًا، إذن الصفات المنفية عن الله عز وجل المراد بها إثبات صفة كمال، الكمال ما ندري ما هو، لكن بضدها تتبين الأشياء، إذا انتفى هذا الشيء فالضد هو الثابت، لا يظلم ربك أحدًا انتفى الظلم ما ضده؟ العدل، إذن هو عادل عدلاً ليس فيه ظلم بوجه من الوجوه، وعلى هذا فقس.
من فوائد الحديث: أنه كلما قويت الوسيلة حصل المقصود لقوله: "إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب"، وهل هذا يشمل الأمور الشرعية والأمور القدرية الكونية؟ أي نعم، كلما قويت الوسيلة حصل المقصود، إلا إن كان فيه مانع أقوى من ذلك، فلا يحصل، فمثلاً لو قال قائل: أرأيت لو دعا داع بهذا الدعاء وهو يأكل الحرام ويتغذى به هل يدخل في الحديث أو لا؟ نقول: لا يدخل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استبعد أن يجاب لمن تغذى بالحرام فكان مطعمه ومشربه حرامًا، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، أن الأسباب لا تؤثر في مسببها حتى تنتفي موانعها، وإن شئتم تقريب ذلك لكم ويكون على أذهانكم، اذكروا أسباب المواريث وموانع المواريث، أسباب الميراث: قرابة ونكاح وولاء، إذا وجدت هذه الأسباب يثبت الإرث، لكن قد توجد هذه الأسباب ولا إرث لوجود مانع، ومنه اختلاف الدين، فمثلاً: لو أن رجلاً تزوج يهودية وماتت عنه أو مات عنها هل يقع بينهما توارث؟ لا، مع أنها زوجته، والله يقول:
{ولكم نصف ما ترك أزواجكم}، {ولهن الربع مما تركتم} [النساء: 12]. ومع ذلك نقول: لا توارث بينهم لوجود المانع وهو اختلاف الدين، هذه القاعدة مفيدة لطالب العلم