ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يلحقه البشر من السرور والحزن لقولها: "دخل علي مسرورا".
ومنها أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يسر بمثل هذه الأمور التي يظهر بها الحق وينجلي بها، وتزول بها التهم عمن ليس من أهلها؛ لأن القلب الحجر لا يبالي، لا يسر بما يسر ولا يحزن بما يحزن، تجد قلبه حجريا لا يتأثر، والإنسان الرقيق اللين هو الذي يتأثر بمثل هذه الأمور سرورا أو حزنا.
ومنها: حرص النبي صلى الله عليه على حماية الأعراض، وكما أن الله عز وجل يحمي الأعراض بحد القذف ثمانين جلدة وألا تقيل له شهادة -أي: القاذف- وأن يكون فاسقا، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحب حماية الأعراض.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس لأهله، بل هو خير الناس لأهله؛ حيث دخل على أصغر نسائه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأخبرها الخبر مما يدل على ينبغي للإنسان أن يكون مع أهله ممتزجا مختلطا لا يخفي عليهم شيئا، كما أنه لا ينبغي أن يخفوا عليه شيئا.
ومنها: أن اختلاف اللون بين الأب وابنه أو بين الأم وابنها لا يستلزم التهمة، ويدل لذلك أيضا: ما ثبت في الصحيحين أن رجلا قال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود -وكان الرجل وزوجته غير أسودين -وكأنه إما أنه يعرض بامرأته، وإما أنه يسأل الرسول كيف كان ذلك؟ الكلام محتمل، يعني: كيف يولد غلام أسود من بين أبوين أبيضين؟ ! وكان الرجل أعرابيا صاحب إبل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل»، قال: نعم، قال: «ما ألوانها؟ »، قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق؟ » قال: نعم، والأورق هو الذي لونه أبيض وفيه شيء من السواد كلون الفضة التي تسمى الورق، قال: «من أين أتاها ذلك؟ »، قال: لعله نزعه عرق -عرق من آبائه أو أجداده أو أمهاته - فقال: «فابنك هذا لعله نزعه عرق»، انظر للتعليم، ذكر الدليل قبل الحكم حتى يأتي الحكم والإنسان مقتنع تماما، فاللون لا ينبغي أن يكون سببا للتهمة، فقد يكون هناك عرق سابق، مع أن قضية أسامة وأبيه قريبة المسألة، من الذين يدعون بهذا؟ الأم قريبة أمه حبشية.
ومن فوائد الحديث: العمل بالقيافة، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها وسر بها، أي: بالحكم بها، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، ولا يسر بالباطل، فالقيامة حكم شرعي، دلت السنة عليه مبنية على الشبه.
ولهذا نقول: القافة هم قوم يعرفون الأنساب بالشبه، والقائف: هو الذي يعرف الإنسان بالشبه، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: إذا تنازع رجلان في غلام ولا بينة لأحدهما فإنه يعرض على القافة، فمن ألحقته به لحقه، لكن لو ألحقته بالاثنين جميعا هل يلحق؟