أن "على" هنا بمعنى: عند، ويحتمل أنها بمعنى العلو، يعني: عليه؛ أي: صاعدا عليه أو عنده، يعني: بقربه، وعلى هذا فيرجع في ذلك إلى رأي القاضي، إذا قال: لابد أن ترقى على المنبر لتعلن هذه اليمين التي تحلف عليها في استحقاق ما تدعيه، ولا شك أنه إذا صعد عليه فهو أشد وأعظم خطرا وأعظم هيبة.
وقوله: "بيمين آثمة"، اليمين الآثمة هي التي يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق، "تبوأ مقعده في النار" هذه خبر على ظاهره، أي: أنه أعاد مقعده من النار بهذه اليمين.
في هذا الحديث: التحذير من الحلف باليمين الكاذبة على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى التغليظ بالمكان، وقد ذكر أهل العلم -رحمهم الله- أن تغليظ اليمين لا يكون إلا في شيء له خطر وأهمية كمال كثير أو دعوى قصاص أو زنا أو غير ذلك من الأمور الخطرة، والزنا ليس فيه يمين، لكن أقول: إنه من الأمور الخطرة، لكن لا تغلظ في الشيء التافه؛ لأن تغليظها خطير جدا، والشيء التافه لا يساوي أن تغلظ الأيمان فيه، إنما تغلظ فيما له خطر.
وهل التغليظ واجب على القاضي أن يغلظ مطلقا يعني: واجبا مطلقا أو واجبا بطلب الخصم، أو ليس بواجب، ويرجع فيه إلى ما يراه الحاكم؟ الصواب: الثالث أنه إذا رأى الحاكم أن يغلظ اليمين فليفعل؛ لأن هذا من باب استظهار الحق، التغليظ يكون بأربعة أمور: بالمكان، والزمان، والهيئة، والصيغة.
أما الزمان فمن بعد صلاة العصر إلى الغروب؛ لأن هذا الزمن أقرب ما يكون للعقاب فيما إذا كان الإنسان كاذبا؛ لأنه آخر النهار، وآخر النهار أفضل النهار، ويشير إلى هذا قوله تعالى: {تحسبونهما من بعد الصلاوة} [المائدة: 107]، أي: من بعد صلاة العصر؛ لأنها الصلاة الوسطى وهي أفضل الصلوات.
أما المكان ففي المدينة النبوية على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي مكة قالوا: بين الركن والمقام - مقام إبراهيم - ولكن هو الحجر الأسود، والظاهر -والله أعلم- أن هذا التعبير حين كان المقام لاصقا بالكعبة فيكون التغليظ في الملتزم الذي بين الركن وبين الباب؛ لأن هذا من أشرف الأماكن، وفي غيرهما يكون عند المنبر في المسجد الجامع أو عند المحراب في المساجد غير الجوامع هذا تغليظ في المكان.
أما في الهيئة فقالوا: أن يكون الإنسان -المحلف- قائما لأنه أقرب للعقوبة -والعياذ بالله- ربما يغمى عليه في الحال ويسقط.
بقي لنا الصيغة، المسلم يقول: أحلف بالله العلي العظيم ... إلخ ما يذكر من صفات العظمة والسلطان، قالوا: واليهودي يغلظ عليه فيقال: أحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى،