الاغتسال فيه، وهل يقيد من الجنابة أو يحمل على إطلاقه؟ يؤخذ على إطلاقه لأننا إذا أخذناه على إطلاقه شمل الغسل من الجنابة والغسل للتبرد ونحوه.
ثم قال: ولمسلم: "منه"، والفرق بين (من)، و (في): أن (في) تدل على الانغماس في الماء، و (من) تدل على الاغتراف وبينهما فرق.
قال: ولأبي داود: "ولا يغتسل فيه من الجنابة". فهي موافقة لرواية البخاري إلا أنها مقيدة لها؛ لأن المراد: يغتسل فيه من الجنابة، وعلى هذا القيد يكون موافقا للفظ مسلم الذي جعله المؤلف أصلا وهو قوله: صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب".
أما فوائد الحديث، فالحديث فيه فوائد؛ منها: أن الشريعة الإسلامية جاءت بالنظافة والبعد عن الأوساخ والأقذار، وذلك للنهي عن الاغتسال في الماء الراكد سواء كان هذا الاغتسال يؤثر على الماء أو لا؛ لأنه إن لم يؤثر في أول مرة أثر في المرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، والشريعة الإسلامية كلها نظافة كلها طهارة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يغتسل في الماء الدائم وهو جنب بناء على أن الأصل في النهي التحريم، وإذا اغتسل في الماء الدائم وهو جنب فهل ترتفع جنابته؟ إذا أخذنا بالقاعدة المعروفة: أن ما نهي عنه لذاته فإنه لا يصح، وهنا وقع النهي عن الغسل لذاته، لا يغتسل في الماء وهو جنب وعليه فإذا اغتسل في الماء وزهو جنب فإنه لا يصح اغتساله، وهو ظاهر جدا على قول من يرى أن الماس المستعمل يكون طاهرا غير مطهر، ومن العلماء من يقول: إن النهي هنا للكراهة، وعلى هذا القول لو اغتسل لارتفع حدثه؛ لأنه لم يفعل محرما وإنما فعل مكروها، والمكروه كراهة التنزيه ليس فيه إثم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاغتسال للتبرد والتنظيف في الماء الدائم، دليله قوله: "وهو جنب" ولكن قد يعارضنا معارض ويقول: إنه قيد الجنابة، وأن الإنسان في حاجة للاغتسال فإذا نهى عن الاغتسال في الماء الدائم مع الحاجة فالنهي عنه من دون حاجة من باب أولى، وعلى هذا فنقول: إن هذا القيد وإن دل بمفهومه على جواز الاغتسال بغير جنابة لكنه قال: إن الاغتسال لغير الجنابة من باب أولى، ويؤيد هذا القول العموم في رواية البخاري: "ثم يغتسل فيه"، وهذا هو الأقرب أنه ينهى عن الاغتسال في الماء الدائم من الجنب وغير الجنب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو اغتسل في ماء جار لجنابة أو غير جنابة فإنه جائز ولا نهي فيه، لأن هذا القيد الدائم وصف مناسب للنهي، وإذا كان وصفا مناسبا للنهي صار وصفا لابد من العمل به، فيقال: إذا اغتسل من الجنابة أو غير الجنابة من ماء جار فلا بأس، أما رواية