وجه اتخاذ هذا الأثر في باب الشهادات: أن الأصل في المسلم هو العدالة وقبول الشهادة، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل الأصل في المسلم العدالة أو الأصل فيه عدم العدالة؟

في هذا قولان للعلماء؛ منهم من قال: إن الأصل إنه ليس بعدل فلا تقبل شهادته حتى تتبين لنا عدالته؛ لأن العدالة شرط وجودي فلابد من وجوده، اشترطه الله في قوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2]. ومنهم من قال: إن الأصل في المسلم أن يكون قائما بطاعة الله ممتثلا بأمره والفسق طارئ عليه، فالأصل فيه العدالة والذي يظهر لي أن يقال: إن هذه المسألة تختلف باختلاف الناس، فمن لم يظهر منه سوء حملناه على العدالة وقبلنا شهادته، لكن للخصم المشهود عليه أن يطعن فيه ويجرحه، ثم يعطى مهلة لإقامة البينة على جرحه، فإن ثبتت فحينئذ ترد شهادته، وهذا الذي نقوله فيمن لم تظهر عدالته وتتبين لجميع الناس، وفيمن لم يظهر فسفه وانحرافه، أما من ظهرت عدالته وصار معروفا عند الناس فهذا لا إشكال في أن الأصل في العدالة، ولهذا لو طعن أحد في الإمام أحمد وقال: لا ندري هل هو عدل فنقبل روايته أم لا؟ لا حاجة لهذا، لا حاجة أن نطلب التعديل في مثل الإمام أحمد أو نحوه من العلماء الأئمة الثقات، ولو طعن إنسان في شخص معروف بالفسق والفجور لا حاجة إلى أن نقول: هات البينة؛ لأن هذا أمر واضح للناس كلها.

شهادة الزور:

1345 - وعن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه عد شهادة الزور في أكبر الكبائر». متفق عليه في حديث طويل.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ » قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئا فجلس فقال: «ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور»، فما زال يكررها حتى قالوا ليته سكت. فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، فما هي شهادة الزور؟ الزور مأخوذ من الازورار وهو الانحراف، وشهادة الزور: كل ما خالف الحق، فمن شهد بما يعلم أن الأمر بخلافه فهو شاهد زور، ومن شهد بما لا يعلم فهو شاهد زور، ومن شهد بما علم على الوجه الذي علم شاهد حق.

فشاهد الزور قسمان: من شهد بما يعلم أن الأمر بخلافه ومن شهد بما لا يعلم، وأما شاهد الحق فهو الذي شهد بما يعلم على حسب ما علم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015