وقوله: "ولا ذي غمر"، وضبطه بعضهم: "غمر" لكن الأصوب غمر، والعمر هو الحقد والشحناء، وقوله: "على أخيه" يعني: أن شهادة من في قلبه حقد وشحناء لا تقبل على أخيه، وأما على غيره فتقبل، "ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت"، "القانع"، يعني: التابع لأهل البيت كما قال الله تعالى: {أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال} [النور: 31]، والمراد بهم: الخدم، وقوله: "لأهل البيت" يحتمل أن تكون متعلقة بـ"شهادة" أو ب"القانع"؟ إن قلنا: متعلقة بـ"القانع" صار المعنى: التابع لأهل البيت، وكلاهما صحيح؛ يعني: أن التابع لأهل البيت لا تجوز شهادته لهم.

ففي هذا الحديث: دليل على أن هؤلاء لا تجوز شهادتهم، وذلك أنه ينبغي أن نقول الشهادة لابد فيها من شروط ولابد فيها من الخلو من الموانع كغيرها من الأمور لا تتم إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع، فنبدأ بالشروط.

الشرط الأول: أن يكون مسلما، فالكافر لا تقبل له شهادة، أما على المسلم فظاهر، وأما على كافر مثله فالصحيح أنها تقبل، لاسيما في الأماكن التي لا يوجد فيها أحد من المسلمين، وعلى هذا فأصحاب الشركات الكفار والعمال الكفار يجوز أن يشهد بعضهم على بعض وإن كانوا كفارا، لكن هل تجوز شهادة الكافر على المسلم للضرورة؟ يرى بعض العلماء أنها تجوز للضرورة ويرى بعضهم أنها لا تجوز إلا في شيء معين وهو الوصية في السفر إذا لم يكن هناك مسلم، يعني: لو كان رجل مسافرا وليس معه إلا كفار وأوصى بوصية في السفر ثم عند المخاصمة من الورثة الذين أنكروا الوصية يقبل الحاكم شهادة الرجلين من غير المسلمين.

فالإمام أحمد في المشهور من مذهبه يقول: لا تجوز شهادة الكافر إلا في هذه الحال، ولابد أن يكون من أهل الكتاب.

والصحيح: أن شهادة الكافر عند الضرورة تجوز سواء في السفر أو غيره، وسواء كان الكافر من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب، فمثلا: لو فرضنا أن رجلا مريضا في المستشفى ويمرضه طبيبان من الكفار وأوصى عند موته بوصية ولم يحضره في المستشفى قبل موته إلا هذان الكافران وشهدا فإننا نقبل شهادتهما للضرورة، ولكن إذا ارتبنا فهناك عمل آخر.

الشرط الثاني: البلوغ، ولكن البلوغ شرط للأداء وليس شرطا للتحمل، وعلى هذا فلو تحمله وهو صغير وأدى للشهادة بعد البلوغ فإنها تقبل. وهذا يقع كثيرا تكون القضية لها سنة أو سنتان ويشهد بها بالغ كان حين الوقوع -وقوع القضية- ليس ببالغ، فالعبرة بالأداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015