وهناك اجتهاد آخر وهو: أن يجتهد في الواقعة وما يحيط بها، ثم يجتهد اجتهاداً ثالثاً في تطبيق الحكم الشرعي عليها؛ لأنه قد يفهم الواقعة ويتصورها تماماً لكن الحكم الشرعي لا ينطبق عليها إما لفوات شرط وإما لوجود مانع، فلابد من اجتهادات ثلاثة، بدون ذلك لا يحصل اجتهاد، وهذا لا شك أنه يحتاج إلى جهد، إن كان الإنسان قد أوسغ الله له في العلم فإن الوصول إلى الحكم الشرعي يكون عليه سهلاً.

لكن يبقى النظر في الواقعة، فقد يكون الإنسان عنده علم كثير من الشرع لكن أحوال الناس ومعرفتهم ومعرفة ألفاظهم ومدلولاتهم قد تكون صعبة عليه، الآن يوجد علماء لا يعرفون أحوال الناس لا يخالطونهم ولا يذهبون إلى أسواقهم ولا يعرفون شيئاً عن حياتهم، هؤلاء عندهم قصور في معرفة الواقع فلابد من ذلك.

الثالث: كيف نطبق الحكم الشرعي على هذا الواقع؟ لأننا قد نعرف الواقع لكن يكون هناك فوات شرط أو وجود مانع، بحيث لا ينطبق الحكم الشرعي على القضية الواقعة.

قال: "ثم أصاب" أي: أصاب الحق الذي هو الشرع، "فله أجران" أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته الحكم.

فإن قال قائل: الأجر على اجتهاده واضح؛ لأنه من عمله وكسبه، لكن إصابة الحق كيف يؤجر عليه؟

نقول: يؤجر عليها؛ لأن إصابته للحق دليل على أنه بذل جهداً واسعاً في طلب الحق، ولأن إصابته للحق تستلزم ظهور الحق للناس وبيانه، وينتفع به آخرون من بعده أو في عصره فصار له أجران: الأول: أجر الاجتهاد، وهذا واضح؛ لأنه من عمله، والثاني: إصابة الحق، وفيه شيء من الإشكال؛ لأن إصابة الحق ليست من عمله، لكن نقول: فيه أجر؛ أولاً: لأن إصابته للحق تدل على أن الرجل بذل جهداً وافياً، والغالب أن من اجتهد في الوصول إلى الحق بنية خالصة يوفق له، والثاني: أنه أيان الحق وأظهره وعرفه الناس، ويكون فيما بعد أسوة لمريد الحق؛ لذلك جعل الشارع له أجراً في ذلك.

قال: "وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" وهذه نعمة، أجران على الاجتهاد، لا يضيع الله أجر من أحسن عملاً، وأجر على الخطأ.

فإذا قال قائل: أفلا يكون عليه إثم لخطئه على الأجر والإثم ثم يتساقطان؟

الجواب: لا؛ لأن هذا مجتهد مريد للحق لكن لم يوفق له، وهذا الخطأ هل هو باختياره؟ لا، بل هو يظن أنه على صواب لكنه عند الله غير مصيب، هذا له أجر واحد والخطأ مغفور له، وهذه من نعمة الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015