نصب ما بعده، فأين نائب الفاعل؟ ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، والقضاء مفعول ثانٍ، يعني: من ولاه السلطان أو نائبه القضاء فقد ذبح بغير سكين والمذبوح بغير سكين لا شك أنه سوف يكون عليه مشقة في الذبح لكنه لا يعني أنه يكون ميتة نجسًا؛ لأن المذبوح إذا ذبح على وجه صحيح فإنه يكون طاهرًا مذكى حلالاً، لكن يحصل عليه مشقة حيث ذبح بغير سكين مثل أن يذبح بخشبة أو حجر أو عظم أو غير ذلك. وجه المشابهة: أن المذبوح بغير سكين يتألم، والقاضي أيضًا يتألم أولاً: في طلبه معرفة الحق من الكتاب والسنة؛ لأن عليه أن يبحث وينظر في دلالة الكتاب والسُّنة على هذه القضية المعينة، ثانيًا: في تطبيق هذا على القضية المعينة، ثالثًا: في معرفة حال الخصوم؛ لأن من الخصوم من يظهر على خصومته الكذب ويعرفها الحاكم بفراسته.
فلهذه المقدمات الثلاث صار الحاكم أو القاضي كالمذبوح بغير سكين من أجل المشقة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الذبيحة ستكون حلالاً أو حرامًا، بل ظاهر الحديث أنها تكون حلالاً، فإذا اجتهد في هذه المقدمات الثلاث وحكم فإن حكمه صحيح نافذ وليس عليه في ذلك إثم.
فيستفاد من هذا الحديث: أولاً: الحذر من القضاء أو التحذير من القضاء، ولكن هذا ما لم يتعين عليه، فإن تعين عليه بحيث لا يوجد أحد أفضل منه فإنه يجب عليه أن يتعين وأن يكون قاضيًا لئلا تضيع حقوق الناس، إذ إن الحقوق سوف تضيع إذا لم يكن هناك حاكم، ولهذا قال الله تعالى لداود: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم}. ولأن الناس إذا لم يجدوا حاكمًا يحكم بالشرع ذهبوا إلى حاكم يحكم بغير الشرع؛ إذ إن الناس لابد لهم من حل مشاكلهم بأي طريق، فلا يحل لإنسان هو أهل للقضاء ولا يوجد من يقوم مقامه أن يعتذر، أو يقول: القضاء مشقة، والناس اختلفوا والحقوق صعبة وغير ذلك، نقول استعن بالله، وأنت إذا استعنت بالله عز وجل ثم بذلت الجهد فإن أخطأت فلك أجر واحد وإن أصبت فلك أجران، إذن لا نحذر من القضاء مطلقًا، ولا نرغب فيه مطلقًا، بل لابد من التفصيل.
1329 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة". رواه البخاريُّ.
"إنكم" الخطاب للأمة جميعًا، "ستحرصون" أي: سيكون منكم حرص على الإمارة، أي: