الذي فيه الكعبة، كما جاء ذلك صريحًا في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة"، وهذا هو الذي تشدُّ إليه الرحال.
ومن فوائد الحديث: بيان فساد ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه لا فضل في المسجد النبوي إلا المسجد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأما الزيادات فهي خارجة عنه، فهذا ليس بصحيح، والصحيح أن ما زيد في المسجد فله حكمه، سواء كان في المسجد الأقصى أو النبوي أو الحرام، ودليل ذلك أن الصحابة لما زادوا في المسجد النبوي ما زادوا لم يكونوا يتركون الصلاة في الزيادة، بل كانوا يصلون في الزيادة، ويرون أنها داخلة في المسجد وهو كذلك؛ ولهذا قال العلماء: ما يزيد في هذه المساجد فله حكمها ولو بلغ، ما بلغ إذن التخصيص بمكان معين من أجل البقعة ينهى عنه أي: أنه نهى عن شد الرحل إليه، أما إذا كان لغرض آخر فلا بأس كتجارة أو علم أو مؤونة.
1326 - وعن عمر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهليَّة أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك". متَّفق عليه.
قال العلماء: الاعتكاف في الأصل هو: لزوم الشيء ومنه قول إبراهيم لقومه: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} أي: ملازمون عليها، وفي الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل فلو لزم المسجد لغير الطاعة إما لكونه لا مبيت له ولا أهل له فليس بمعتكف ولو لزم غير المسجد لطاعة الله فإنه ليس بمعتكف لقوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المسجد} عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية قبل أن يسلم أن يعتكف في المسجد الحرام ليلة أو يومًا كما في اختلاف الروايات، ويطلق اليوم والليلة بعضهما على بعض والظاهر- والله أعلم- أنه نذر أن يعتكف يومًا وليلة.
ومن فوائد الحديث: أن تخصيص النذر بالمسجد الحرام يجب أن يوفي به؛ لقوله: "أوف بنذرك" ولم يؤذن له أن يوفي بالمدينة ولا غيرها.
ومن فوائد الحديث: انعقاد النذر من الكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على ذلك.
ومن فوائده: فيما يظهر أنه لو أوفي الكافر نذره في حال كفره سقط عنه؛ لأن الظاهر أن الذين أسلموا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يسألون عن اعتكافاتهم التي نذورها، بل كان يقرهم على ما هم عليه وهذا هو الأقرب أن الكافر لو نذر أن يعتكف في أيَّ مسجد كان واعتكف، فإنه يسقط عنه باعتكافه.