وفي لفظ للبخاري: «فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك».
فبدأ هنا بالحنث قبل الكفارة.
وفي رواية لأبي داود: «فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير». وإسنادهما صحيح.
فبدأ هنا بالتكفير قبل الحنث على وجه مرتب صريحا لقوله: «ثم»، و «ثم» تقتضي الترتيب، وهذه الألفاظ المختلفة قد نرجح بعضها على بعض، وقد نقول: إنها تدل على أن الأمر واجب، لقوله: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها»، والخيرية: هنا هل هي خيرية الدين أو خيرية الدنيا أو كلاهما؟ كلاهما جميعا، مثال ذلك: حلف ألا يصومن غدا الإثنين، ومعلوم أن صوم الإثنين سنة، نقول: كفر عن يمينك وصم، دعاه ابن عمه لوليمة عرس أو غيرها فحلف ألا يجيب دعوته، فأشار عليه بعض الموفقين قال: هذا ابن عمك وإجابة دعوته من صلة الرحم وامتناعك قطيعة، فرأى أن الخير في إجابته ماذا تقول؟ كفر عن يمينك واذهب إلى صاحبك، وهل التكفير والإتيان هنا واجب؟ نقول: فيه تفصيل: إن كان الخير واجبا وجب الحنث وفعل الخير، وإن كان مستحبا استحب الحنث وفعل الخير، فإذا قال: والله لا أصلين اليوم في جماعة، إنسان أحمق! كان ابنه يقول له: يا أبت، صل مع الجماعة خير وفضل وأجر، فقال عنادا لابنه: والله لا أصلين اليوم مع الجماعة، حلف على ترك واجب، الخير هنا واجب الذي هو الحنث لو حنث وصلى مع الجماعة صار هذا أمرا واجبا عليه، فنقول: يجب عليك الآن أن تحنث وأن تكفر صل مع الجماعة وكفر، فصار إتيان الذي هو خير والتكفير حسب هذا الخير أن كان واجبا وجب الحنث والتكفير إن كان سنة سن الحنث ووجب التكفير، لأن كفارة اليمين واجبة، وإذا كان ليس خيرا ولا شرا أي: بأن كان شيئا مباحا، كأن يقول مثلا: والله لا ألبس هذا الثوب، فقال له بعض الحاضرين: البسه هذا الثوب أجمل من الثوب الذي عليك، قال: والله لا ألبسه، فهنا نقول: الأولى حفظ اليمين، لكن لو فعل ولبس الثوب وكفر فلا بأس.
وقد قسم العلماء-رحمهم الله- الحنث إلى خمسة أقسام: واجب، وحرام، وسنة، ومكروه، ومباح، واجب الحنث يعني: قطع اليمين والكفارة إما واجب أو سنة أو حرام أو مكروه أو مباح، متى يكون واجبا؟ إذا توقف على الحنث فعل واجب أو ترك محرم صار