وقوله: «فمن كان حالفا فليحلف بالله» يعني: من أراد أن يحلف فليحلف بالله، فقوله: «من كان حالفا» ليس شيئا ماضيا، بل المراد: من أراد أن يحلف «فليحلف بالله أو ليصمت»، واللام في قوله: «فليحلف»، قد يقال: إنها لام الأمر، وقد يقال: إنها لام الإباحة، فباعتبار أنه لا يحلف بغيره تكون لام أمر، وباعتبار أنه يباح له أن يحلف بالله تكون لام إباحة «أو ليصمت»: ليسكت.
في هذا الحديث من الفوائد: أولا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنكار المنكر؛ لأنه لما سمع هذا المنكر ناداهم ولم يسكت، وظاهره أنه ناداهم من بعد، يعني: لم يصبر حتى يصل إليهم فيكلمهم بكلام معتاد، بل ناداهم من بعد وأخبرهم بما أوحاه الله تعالى إليه من النهي.
ومن فوائد الحديث: أن من كان جاهلا فإنه لا يؤاخذ، ولهذا لم يعنفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بين لهم الحكم دون أن يوبخهم ويعنفهم.
ومنها: البناء على الأصل وهو أن يبقى الإنسان على ما كان عليه حتى يتبين نقل الحكم أو الحال عن الأصل، دليله فعل عمر حيث حلف بالأب.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي في المسائل المهمة أن تؤكد بأنواع التأكيدات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النهي إلى الله، ولا شك أن إضافة النهي إلى الله تعطي الإنسان قوة في اجتناب هذا المنهي عنه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- له الحكم وبيده ملكوت السموات والأرض وما صدر عنه فإنه أقوى مما صدر عن غيره؛ ولهذا قال: «ألا إن الله ينهاكم» إلا أن هذه الفائدة قد ينازع فيها، فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسب النهي إلى الله لأن الله نهى عن ذلك لا من أجل أن يؤكد الاجتناب، وهذا قد يقال: إنه أقرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه البلاغ.
ومن فوائد هذا الحديث: أن تعظيم الآباء كان معروفا في الجاهلية، ولهذا يحلفون بآبائهم وهذا أمر فطري، كل الناس يعظمون آباءهم ويحترمونهم إلا من ضل عن سواء السبيل هذا له شأنه.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز اليمين إذا كانت على وجه مشروع؛ لقوله: «من كان حالفا فليحلف بالله».
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا نهى عن شيء أن يذكر ما يكون بدلا عنه، وهذه طريقة القرآن والسنة، انظر إلى قول الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا رعنا وقولوا انظرنا} [البقرة: 104]. فلما ذكر اللفظ المنهي عنه أتى ببدله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيع التمر الرديء بالجيد مع الزيادة: «هذا عين الربا، ولكن بع التمر-يعني: الرديء- بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمرا جيدا»، فلما ذكر الممنوع ذكر ما يقوم مفامه، وهذا في الحقيقة هو خلاصة الدعوة؛ لأن الناس إذا ذكر لهم ما كانوا يعتادونه أو يستحسنونه وهو مخالف للشرع ثم قيل