ندري أمات بسهمه أم بما أصابه من غيره؟ وبناء على ذلك إذا علمنا أن الذي أماته سهمه, وأن السهم الآخر إنما أصابه في رجل أو في جناح أو غير ذلك فهنا مقتضي الأدلة السابقة واللاحقة أنه حلال, وعلى هذا فيكون المفهوم لا عموم له, وهذه قاعدة مقيدة وهي أن المفهوم لا يتناول جميع الصور فيما عدا المنطوق, بل قد يكون في بعض الصور تفصيل وهذا كثير منها مثلاً: حديث ركانة حين طلق زوجته ثلاثًا في مجلس واحد, فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "أفي مجلس واحد؟ " قال: نعم, قال: "هي واحدة", قال: طلقتها ثلاثًا يا رسول الله, قال: "قد علمت فإنها واحدة". قال شيخ الإسلام: وإنما قال: "في مجلس واحد"؛ لأنه إذا كان في مجالس فربما يكون راجعها بعد الطلقة الأولى ثم طلقها صارت ثانية, فإن راجعها من الثانية ثم طلقها الثالثة صارت ثالثة فبانت منه, يقول رحمه الله: فالمفهوم هنا لا عموم له؛ لأنه لو طلقها في غير هذا المجلس ففيه تفصيل أيضًا هذا نقول: إذا وجد فيه أثرًا غير أثر سهمه فيه تفصيل, فماذا نقول إن وجد فيه أثرًا غير أثر سهمه؟ فإن كان الأثر الثاني مميتًا فالصيد حرام؛ لأننا لا ندري أيهما قتله, وربما يغلب على ظننا أنه قتله غير سهمه إذا كان سهمه خفيفًا, وإن علمنا أن الذي أصابه تمامًا هو سهمه بحيث ضربه في قلبه وذاك في جناحه أو رجله فالحكم لسهمه فيكون حلالاً.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا غاب عنه الصيد فهو مخير, إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل؛ ولهذا قال: "كل إن شئت". قد يقول قائل: هذا كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا. نقول: لا, هي لها فائدة قوله: "إن شئت"؛ لأنه إذا تركه عافته نفسه فلا يقال: إن هذا من باب إضاعة المال, وأنه لا يحل له أن يدع الأكل, بل نقول: له أن يدع الأكل؛ لأن الرسول قال: "إن شئت", ربما يكون هذا الصيد كبيرًا يساوي مائتين ريال أو أكثر فتكره نفسه حين غاب عنه, فنقول: الحمد لله لقد خيرت الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: "إن شئت", بينما لو كانت نفسه لا تعافه لكان تركه إضاعة للمال ولا نصيده في ذلك. ومن فوائد الحديث: أنه إذا وجد الصيد غريقًا في الماء فلا يأكل, ولماذا؟ علله النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر, قال: "فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك", ولهذا قال غريقًا, ما قال: إن وجده