هذا الحديث في بيان حكم القنفذ هل هو حلال أم حرام, ولو أجريناه على القاعدة السابقة أن الأصل في كل مطعوم ومشروب الحل, فإننا نقول: هو حلال إلا إذا صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرمه, فهذا يؤخذ به في هذا الحديث. سئل ابن عمر -وهو من فقهاء الصحابة ومفتيهم- عن القنفذ؛ يعني: هل هو حلال أم لا؟ فلم يقل: هو حلال, ولم يقل: هو حرام, ولكنه أجاب بالدليل, فقال: {قل لا أحد} , قال بمعنى: قرأ؛ لأن هذه الآية ليست قوله, ولكنها قول الله عز وجل "قال" يعني: أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد ... الآية} الخطاب في "قل" للرسول صلى الله عليه وسلم و {لا أجد في ما أوحي إلي}؛ يعني: من القرآن, {محرمًا} , أي: حرمه الله {على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به} , أربعة أشياء: {إلا أن يكون ميتة} , وهذه قد علم أنه يستثنى منها ما ميتته حلال مثل: السمك, والجراد, {أو دمًا مسفوحًا} وهذا أيضًا يستثنى منه الدم الطاهر كدم السمك, فإنه حلال, وخرج بقوله: {مسفوحًا} الدم غير المسفوح كالذي يبقى في العروق بعد الزكاة فإنه حلال وإن ظهرت حمرته؛ لأنه ليس دمًا مسفوحًا, فدم القلب الذي يكون بعد موت الحيوان بالزكاة حلال للإنسان أن يأخذه بمعلقة ويشربه وكذلك دم الكبد, {أو لحم خنزير} وهو الحيوان المعروف الخبيث المشهور بشيئين خبيثين: أحدهما معنوي والثاني حسي, أما الحسي فإنه يأكل العذرة والقاذورات, وأما المعنوي فإنه لا غيره فيه إطلاقًا, والمتغذي به ربما يناله من هذا الخلق الذميم أن تنزع منه الغيرة سواء على أهله أو على دينه, وقوله: {فإنه رجس} لا شك أن الضمير في قوله: {فإنه} يعود على الضمير المستتر في قوله: {إلا أن يكون} أي: لا أجد في الذي أوحي إلى محرمًا على طعام يطعمه إلا أن يكون ذلك الشيء ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير, هذه كلها خبر لكان التي فيها ضمير يعود على الشيء المطعوم, فعليه يكون قوله: {فإنه رجس} يكون الضمير عائدًا على ما ذكر كله, وليس عائدًا على لحم الخنزير فقط, والرجس هو: النجس, وهذه العلة -كما رأيتم- علة منصوصة. وعلى هذا فنقول: كل نجس محرم, لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا, ولا يصلح أن نقول: كل محرم نجس؛ لأن من المحرمات ما ليس بنجس كالسم والدخان, وكذلك على القول الراجح الخمر فإنه محرم وليس بنجس {أو فسقًا أهل لغير الله به} , {أهل لغير الله به}