بمحمد صلى الله عليه وسلم إذن فهم حقيقة كافرون بعيسى وعيسى خصمهم يوم القيامة لأن الله سيقول له: } يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته ... {الآيات؛ فعيسى هو خصمهم يوم القيامة وهم مكذبون له كافرون به، لكن الإسلام - لسعته ورحابته - أقرهم على دينهم بالجزية ولعلهم بما عندهم من الكتاب لعلهم يهتدون ويرجعون للصواب، وقوله: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام" ولم يقل: بالتحية؛ لأن التحية أعم فقد يضطر الإنسان إلى بداءتهم بالتحية لكن نقول: لا تبدأهم بالسلام، التحية مثل أهلًا وسهلًا ممكن أن يضطر الإنسان إلى أن يقول لرجل يهودي أو نصراني أو وثني: أهلًا وسهلًا لكن لا يمكن أن يقول بمقتضى الشرع: السلام عليكم وعلم من قوله: "لا تبدءوهم بالسلام" أننا نرد عليهم السلام؛ لأننا إذا رددنا فهم البادءون، والنهي إنما هو عن بداءتهم أما الرد عليهم فلا. ولكن كيف نرد عليهم؟ نرد عليهم بمثل ما حيَّونا به كما قال الله تعالى: } وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها {[النساء: 86]. فبدأ بالأحسن ثمَّ قال: } أو ردوها {وهو الواجب، فإذا قال اليهودي أو النصراني: السلام عليك بلفظ صريح، فأقول: عليك السلام بلفظ صريح، وإذا قال: السام عليك أقول: وعليك وإذا احتمل الأمران أقول عليك أيضاً، وهذا أيضاً من الآداب الإسلامية أنهم إذا قال أحدهم: السام عليك لا أقول: عليك السام بل أكون أنا أحسن أدباً منه، وأقول: وعليك، ففي هذه الحال أكون قابلته بما قابلني به ولهذا لما قالت عائشة في ردها على اليهودي الَّذي مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال السام عليك يا محمد، قالت: وعليك السام واللعنة نهاها الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" وهذا من آداب الإسلام وعلوه ألا أنزل مثله إلى الساحة التي نزل فيها وهي الدعاء بل أقول عليك كما قال: "إن كان قال السلام فهو عليه وإن كان قال السام فهو عليه أيضاً".
وقوله: "وإذا لقيتم أحداً منهم في طريق فلا تفسحوا له اضطروه" أي: ألجئوه إلى أضيق الطرق فلا تفسح له مهما كان ولو كان أكبر منك مرتبة أو أغنى منك أو أعظم منك سلطة لا تفسح له إن بقي لم يذهب يميناً ولا يساراً فلا تهتم به اجعله هو الذَّي يميل يمينًا ويسارًا، وليس المعنى: أنك تلجؤه حتَّى تضيق عليه برصِّه على الجدار لماذا؟ لأن قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم يفسره فعله وفعل أصحابه فما كان الناس في المدينة يفعلون هكذا باليهود الَّذين فيها لكن إذا لقيناهم مثلاً ونحن خمسة وهم خمسة والطريق لا يتسع إلا لخمسة فقط فهل نحن نفسح لهم ونمشي واحداً واحداً حتَّى يتجاوزوا أو بالعكس؟ بالعكس نضطرهم إلى الأضيق، أما نحن فنبقى أعزة.
في هذا الحديث فوائد متعددة: أولًا: النهي عن بدء اليهود والنصارى بالسلام والأصل في النهي التحريم ولاسيما والقرينة هنا تدل عليه وهو أن بداءتهم بالسلام فيه شيء من إكرامهم