قوله: "أيما قرية" هذه اسم شرط، وفيها إشكال وهو أن اسم الشرط لا يليه إلا فعل وهذا وليها اسم فما الجواب عن هذا الإشكال؟
نقول: "قرية" مضاف إليه والمضاف: "أي" القرية هي المدينة سواء كانت كبيرة أو صغيرة هذا هو المعلوم من اللغة قال الله تعالى: {وكأين من قريةٍ هي أشدُّ قوَّةً من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13]. والقرية التي أخرجته مكة أم القرى، وهناك قرى أعظم منها أهلكها الله عز وجل وأما المعروف بين الناس وهو أن المدينة للقرية الكبيرة، والقرية للمدينة الصغيرة فهذا لا أصل له في اللغة لكن تسمى القرية الكبيرة مصرًا؛ ولهذا يقول الفقهاء في القرى والأمصار فيفرقون بين القرى وبين الأمصار.
وقوله: "فسهمكم فيها" يعني: أنها تكون لكم، "وأيما قرية عصت الله ورسوله ... إلخ"، يعني: القرية الأخرى الَّتي عصت الله ورسوله وحوربت وفتحت، "فإن خمسها يكون لله ورسوله" فيذهب فيئًا، والباقي يكون لكم؛ أي: للمجاهدين، فيقسم بينهم على ما سبق وقد تقدم حكم هذه المسألة؛ لأن قوله: "ثمَّ هي لكم" يدل على أنهم يملكونها وسبق أن الإمام يخيّر فيها بين أن يقسمها على المجاهدين وبين أن يدعها وقفًا للمسلمين ويضرب عليها خراجً مستمًرا، يؤخذ ممن هي بيدهم فيقول مثلاً هذه الأرض لا أقسمها بين الغانمين لأنني إذا قسمتها بين الغانمين وهي أرض باقية لا تفني بفناء الناس حرمنا الأجيال القادمة من المسلمين فإننا لا نقسمها ولكن نوزعها الأراضي الزراعية نوزعها زراعة والأراضي السكنية نوزعها سكنى ونضرب على كل مسافة معينة شيئًا معينًا، وقال أهل العلم: إن المرجع في هذا إلى اجتهاد الإمام فقد يضرب على الفدان في هذه الأرض ألفًا وفي أرض أخرى ألفين وقد يضرب على الفدان في أرض ثالثة خمسمائة على حسب الحال وربما تتغير الأمور فيكون المرغوب هذا العام غير مرغوب في العام المقبل فتتغير الأحكام، ولهذا قال العلماء- رحمهم الله-: إن المرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن القرى تنقسم إلى قسمين: قرية أسلم أهلها فهذه لا تقسم ولكنها تبقى لهم وقسم آخر بقيت على كفرها وعصت الله ورسوله فهذه تخمس ويكون خمس أراضيها للفيء وأربعة أخماسها للمجاهدين هذا ما يدل عليه الحديث. وبهذا انتهى كتاب الجهاد.