أما حديث ابن عبس ففيه فوائد: أولًا الإشارة إلى مكة ستبقى بلاد إسلام، وجهه: قوله: "لا هجرة بعد الفتح" ولو عادت بلاد كفر -أجارها الله من ذلك- لعادت الهجرة منها، لكن فيه بشارة بأنها لا تعود بلاد كفر.
ومن فوائد الحديث: أن الجهاد يقوم مقام الهجرة، بل كما قلت هو أعظم من الهجرة، لأنه هجوم على الكفار في بلادهم، والهجرة فرار منهم من بلد الإنسان.
ومن فوائد الحديث: أن النية تقوم مقام الفعل لقوله: "ونية" وعلى هذا فتكون الواو هنا بمعنى "أو" يعني: أنه جهاد لمن قدر، أو نية لمن لم يقدر، ولكن النية لا تقوم مقام الفعل إلا بشروط:
الشرط الأول: أن تكون النية صادقة، بمعني: أن ينوي نية صادقة من قلبه أنه لولا المانع لفعل.
الشرط الثاني: أن يكون قد شرع في العمل ولكن عجز عن إتمامه لقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100]. أما إذا نوى بدون أن يشرع في العمل فله أجر النية فقط ويكون هذا الأجر مساويًا لأجر نية الفاعل، ودليل ذلك- أي: دليل أنه لا يحصل على الأجر كاملًا- قصة الفقراء الذين جاءوا يشكون إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الأغنياء سبقوهم، فقال صلي الله عليه وسلم: "ألا أحبركم بشيء تدركون به من سبقكم ولا يكون أحد أفضل منكم"، ثم دلهم على التسبيح والتحميد والتكبير دبر كل صلاة، فعلم بذلك الأغنياء ففعلوا مثلهم، فرجع الفقراء مرة ثانية إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا الأغنياء بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال لهم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، ولم يقل: أنتم وهم سواء، فدل على أن من لم يشرع في العمل لا يحصل له أجره.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا نفى شيئًا يتطلع الناس إليه أن يفتح لهم بابًا آخر يكون قائمًا مقامه، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما نفى الهجرة بعد الفتح فتح الناس الراغبين في الخير بابًا آخر وهو: الجهاد والنية.
1215 - وعن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله". متفق عليه.
سبب هذا الحديث: أن النبي صلي الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية، يعني: حمية لقوم ودفاعًا عن قومه ويقاتل بشجاعة، يعني: يقاتل لأنه شجاع، والشجاع يجب أن يقاتل، لأن الشجاعة خلقه، فيجب أن يعمل بهذا الخلق، كما يحب صاحب الصيد أن يخرج إلى البر في الشتاء