[المائدة: 103]. هذا جعل شرعي. {وجعلنا اليل لباسا (10) وجعلنا النهار معاشًا} [النبا: 9 - 11]. جعل كوني ألا يقول قائل إن {وجعلنا اليل لباسا} إنه شرعيظ له وجه لكنه بعيد في الواقع الجعل هنا "لم يجعل شفاءكم" جعلًا قدريًا، وكذلك أيضًا شرعيًّا لأنه حرم، وقوله: "شفاءكم" الشفاء والإشفاء بينهما فرق عظيم: الشفاء البرء من الأسقام، والإشفاء الهلاك، ولهذا تقول: شفاك الله ولا أشفاك لأن شفى الثلاثي بمعنى: أبرأ من المرض، وأشفى: أهلك، {وكنتم على شفا حفرٍة من النار فأنقذكم منها} [ال عمران: 103]. وأظن أنك لو قلت للعامي: شفاك الله ولا أشفاك لعلك تختنق معه؛ لأنه يقول: دعوت لي بالشفاء ثم تراجعت، لكننا نقول: إننا دعونا بقولنا: لا أشفاك الله.

وقوله: "فيما حرم عليكم" التحريم بمعنى: المنع ومنه: الحرم لمنع القتال فيه، ومنه حريم البئر، لمنع التملك حولهن إذن المحرم ليس فيه شفاء، وتعليل ذلك ظاهر؛ لأنه لو كان فيه شفاء لكان فيه مصلحة، والله عز وجل لا يمنع عباده عما فيه مصلحة، كل ما حرم على عباده فهو مضرة ولايمكن أن يحرِّم عليهم ما فيه مصلحتهم إطلاقا.

في هذا الحديث فوائد: أولًا: منع التداوي بالمحرمن وجهه: أنه قال: "لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فإذا انتهك الإنسان المجرم بدون أن يكون له شفاء صار هذا ممنوعًا؛ يعني: لا مصلحة منه.

ومن فوائد الحديث: أن المباح قد يكون فيه الشفاء؛ لأنه إذا انتفى الشفاء عن المحرم فمفهومه إمكان ذلك فى الحلال وهو كذلك وهناك أشياء جاء الشرع بكونها شفاء وأشياء علمت بالتجارب، فمما جاء به الشرع العسل، قال الله تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} [النحل: 69]. ومنه الحبة السوداء، وتعرف عندنا فى القصيم بالسميرة، وعند المصريين حبة البركة والكمون الأسود ويوجد ناس يسمونه الشونيز المهم أنها معروفة وكذلك الحجامة فيها شفاء، وكذلك فيه شفاء، وهناك عملت بالتجارب-تجارب الناس فيها-فوجد فيها الشفاء.

فإن قال قائل: إذا اضطر الإنسان بالتداوي بالمحرم فهل يجوز؟

لا ولو اضطر، بل نقول: لا تمكن الضرورة للتداوي إلا بأشياء معلومة كما لو كان التداوي بقطع عضو من الأعضاء، وهذا ربما يعلم بالضرورة، لكن على سبيل العلاج والتداوي لا تمكن الضرورة لابد فيها من أمرين: الأمر الأول: الإلتجاء إلى هذا العمل، والثاني: ارتفاع الضرورة به، والدواء هل الإنسان ملجا إليه؟ إلى هذا الدواء بعينه؟ لاقد يتداوى بغيره وقد يشفى بلا تداو، وكم من أناس شفاهم الله بلا تداٍو.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015